الهندوس والمسلمون يصنعون المشهد الانتخابي في الهند
القاهرة: هاني كمال الدين
تُعَدّ الهند أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان التي تُجرى فيها انتخابات حرة، وهو ما أكدته الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في الصيف الماضي. شهدت هذه الانتخابات تراجع حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي “بهاراتيا جاناتا” عن الأغلبية المطلقة في مجلس النواب، مما دفعه إلى البحث عن دعم من الأحزاب الإقليمية. هذا الحزب الذي يحظى بدعم كبير من الهندوس يواجه صعوبة في كسب التأييد في المناطق التي يكثر فيها المسلمون، وهو ما أبرزته نتائج الانتخابات الأخيرة في ولايتين هنديتين، والتي أُعلنت يوم السبت الماضي.
في ولاية ماهاراشترا، التي تُعد أغنى ولايات الهند وتضم العاصمة المالية مومباي، حقق حزب بهاراتيا جاناتا فوزًا ساحقًا. أما في ولاية جارخاند الصناعية، فقد كانت الكلمة العليا لحزب المؤتمر الوطني الهندي، الحزب المعارض الرئيسي. تعكس هذه النتائج حالة التوازن في المشهد السياسي الهندي، حيث تظل المؤسسات الديمقراطية التي أرساها قادة الهند بعد الاستقلال ثابتة على الرغم من التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
ثبات المؤسسات الديمقراطية رغم التحديات
الهند، رغم كونها دولة نامية تواجه تحديات الفقر، تتميز بمؤسساتها الديمقراطية الراسخة. المواطنون يذهبون إلى صناديق الاقتراع دون خوف من التهديد أو الانتقام، مما يعزز من الثقة بالنظام الانتخابي. ومع ذلك، أشار البعض إلى تدخل الحكومة في التأثير على وسائل الإعلام الرئيسية، مما يجعل الصحف والقنوات التلفزيونية تميل إلى محاباة سياسات الحكومة. ولكن تنوع اللغات المحلية وانتشار وسائل الإعلام الإقليمية يحدّ من إمكانية سيطرة الحكومة المركزية بشكل كامل على الخطاب الإعلامي، وهو ما يُعتبر أحد عوامل حماية الديمقراطية في البلاد.
مكانة مودي وشعبيته
على الرغم من أن شعبية رئيس الوزراء ناريندرا مودي ما زالت مرتفعة، إلا أن نتائج الانتخابات الأخيرة أظهرت أن هذه الشعبية ليست كافية لتوفير ضمانات مطلقة لاستقرار الحكومة. فبينما تمكن حزبه من الفوز في ولاية ماهاراشترا، التي تُعتبر ذات أهمية سياسية واقتصادية كبيرة، فقد خسر في ولاية جارخاند لصالح المعارضة. يشير الخبراء إلى أن هذه النتائج تعكس توازن القوى في البلاد. فقد أوضحت تاتيانا شوميان، رئيسة مركز الدراسات الهندية في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أن ولاية ماهاراشترا تُعد إحدى المناطق الاستراتيجية لدلهي، بينما تُعتبر جارخاند خزانًا غنيًا بالموارد الطبيعية.
الانتماءات الدينية وتأثيرها على التصويت
يلعب الانتماء الديني دورًا بارزًا في المشهد السياسي الهندي. فبينما يميل الهندوس إلى دعم حزب بهاراتيا جاناتا، يفضل المسلمون، الذين يُعتبرون ثاني أكبر جماعة دينية في الهند، حزب المؤتمر الوطني الهندي. يعود ذلك إلى الطبيعة الهندوسية لحزب بهاراتيا جاناتا، الذي يعكس توجهاته الأيديولوجية والسياسية. في ولاية ماهاراشترا، حيث يشكل الهندوس 80% من السكان مقابل 11.5% من المسلمين، كان التفوق لصالح الحزب الحاكم. أما في ولاية جارخاند، فقد تمكن حزب المؤتمر الوطني الهندي من حصد 50 مقعدًا من أصل 80 في الجمعية التشريعية، ما يعكس التأثير المتزايد للمسلمين والأقليات الأخرى في بعض المناطق.
تحديات الحكومة المركزية
الانتخابات الأخيرة شكّلت اختبارًا لشعبية مودي وحكومته، خاصة بعد عودته إلى السلطة في يونيو الماضي عبر ائتلاف مع الأحزاب الإقليمية. ومع أن نتائج الانتخابات البرلمانية تؤكد استمرار هيمنة حزب بهاراتيا جاناتا على المشهد السياسي، فإن خسارته في جارخاند تُظهر الحاجة إلى إعادة تقييم استراتيجياته. فقد أظهرت النتائج أن الحزب الذي يحكم الولاية عادةً ما يحصل على الدعم الأكبر من الناخبين، وهو ما يجعل ولاية مثل جارخاند، الغنية بالموارد، ساحة تنافس شديدة الأهمية.
تأثير القيادة العائلية في السياسة
من النقاط اللافتة في المشهد السياسي الهندي الدور الذي تلعبه العائلات السياسية. فحزب المؤتمر الوطني الهندي يقوده راهول غاندي، الذي ينتمي إلى عائلة سياسية عريقة تضم شخصيات بارزة مثل جواهر لال نهرو وإنديرا غاندي. وقد انضمت أخته بريانكا غاندي إلى المشهد السياسي بقوة بعد فوزها الكاسح في الانتخابات التكميلية في ولاية كيرالا الجنوبية، مما يعزز من فرص المعارضة في التحدي أمام حزب بهاراتيا جاناتا.
تؤكد نتائج الانتخابات الأخيرة في الهند أن الديمقراطية الهندية قادرة على التكيف مع التحديات السياسية والاجتماعية. وعلى الرغم من الصعوبات التي يواجهها حزب بهاراتيا جاناتا في الحفاظ على هيمنته المطلقة، فإن شعبية رئيس الوزراء ناريندرا مودي وشبكة تحالفاته الإقليمية تمنحه مساحة للحركة. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي في ظل الانقسامات الدينية والسياسية.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر