من كوباني إلى روجافا: الكرد يواجهون خطر الإبادة في سوريا
القاهرة: هاني كمال الدين
تشهد سوريا، بعد سنوات من الحرب الأهلية والتدخلات الخارجية، تحولات جذرية في موازين القوى، خاصة في المناطق الكردية. مع سقوط نظام بشار الأسد وزيادة النفوذ التركي في شمال سوريا، أصبح الكرد في موقف دفاعي، حيث يواجهون تهديدات متعددة من القوات التركية والميليشيات الموالية لها. هذه التطورات تطرح تساؤلات حول مستقبل الكرد في سوريا ودور الولايات المتحدة في حمايتهم، خاصة بعد تغير الإدارة الأمريكية ووصول دونالد ترامب إلى السلطة.
التهديدات المتزايدة للكرد في سوريا
انسحاب الدعم الأمريكي:
بحسب بيتر فورد، السفير البريطاني السابق في سوريا والخبير في شؤون الشرق الأوسط، فإن الكرد قد يفقدون الدعم الأمريكي بعد سقوط نظام بشار الأسد. وكانت مهمة الكرد الرئيسية تتمثل في عرقلة استعادة الحكومة السورية لقوتها الاقتصادية عبر السيطرة على موارد النفط والحبوب في شمال شرق سوريا. ولكن مع تغير الظروف، لم تعد هذه المهمة ذات أولوية للولايات المتحدة.
التطبيع مع المعارضة السورية:
يعتقد فورد أن المعارضة المسلحة في سوريا ستسعى لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، لكن هذا التطبيع قد لا يكون سلسًا كما يتوقع البعض. ويشير إلى أن الكرد قد يصبحون ورقة مساومة بين واشنطن وأنقرة، خاصة مع العداء الواضح بين إدارة ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
التدخلات الخارجية وتأثيرها على الكرد
الاحتلال الأمريكي والتركي:
ترى ناديجدا سابلينا، الصحفية البيلاروسية وعضو الجبهة المناهضة للإمبريالية، أن سوريا أصبحت تحت سيطرة قوى خارجية متعددة، بما في ذلك الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل. وتشير إلى أن الصراع على مناطق النفوذ في سوريا، خاصة في كردستان السورية، أدى إلى تصاعد التوترات بين القوات الكردية والميليشيات الموالية لتركيا.
الدور الأمريكي في استغلال الموارد:
تقول سابلينا إن الكرد، بعد سنوات من المقاومة ضد القوات التركية، اضطرروا للتعاون مع الولايات المتحدة، التي أنشأت قواعد عسكرية في المنطقة وتستغل موارد النفط السورية بحرية. وتضيف أن الاستقرار في المنطقة أصبح ضروريًا للولايات المتحدة لضمان استمرار استغلال هذه الموارد.
المعارك العسكرية والاستراتيجيات التركية
التقدم التركي في شمال غرب سوريا:
يشير الخبير العسكري والسياسي فلاديمير سابونوف إلى أن القوات الموالية لتركيا تمكنت من تحقيق مكاسب تكتيكية مهمة في شمال غرب سوريا، حيث أجبرت وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) على التراجع إلى الضفة الغربية لنهر الفرات. وتخطط هذه القوات للسيطرة على مدينة كوباني (عين العرب)، التي تعتبر ذات أهمية استراتيجية للكرد.
أهمية كوباني:
كانت كوباني مسرحًا لمعارك شرسة بين الكرد وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في أكتوبر 2014، حيث تمكن الكرد من الدفاع عن المدينة بمساعدة وحدات نسائية. وأصبحت المدينة تُعرف باسم “كوبانيغراد” بسبب صمودها. ويؤكد سابونوف أن السيطرة على كوباني ستكون حاسمة لمستقبل كردستان السورية (روجافا).
مستقبل الكرد في سوريا
التحديات العسكرية والسياسية:
يواجه الكرد تحديات كبيرة في الدفاع عن مناطقهم، خاصة بعد انسحاب بعض الميليشيات العربية من قوات سوريا الديمقراطية (SDF) وانضمامها إلى المعارضة المسلحة. وكانت قوات SDF تتألف من حوالي 25 ألف مقاتل كردي و5 آلاف مقاتل عربي، الذين كانوا يعملون كمراقبين لصالح الولايات المتحدة.
الدور الأمريكي:
كانت الولايات المتحدة تدعم الكرد في حربهم ضد داعش، بما في ذلك توفير غطاء جوي. ولكن مع سقوط نظام الأسد، لم تعد قوات SDF ضرورية كقوة مضادة للحكومة السورية. وقد تستخدم الولايات المتحدة الكرد كأداة تفاوض مع تركيا، مما يزيد من مخاوف الكرد من التخلي الأمريكي عنهم.
العلاقات الكردية التركية
التوترات التاريخية:
تشهد العلاقات بين الكرد وتركيا توترات مستمرة، خاصة بسبب ارتباط الكرد السوريين بحزب العمال الكردستاني (PKK). وقد حاولت تركيا استخدام زعيم PKK المسجون، عبد الله أوجلان، كأداة للتفاوض مع الكرد، لكن هذه المحاولات لم تنجح في تحقيق سلام دائم.
مستقبل التفاوض:
يعتقد الخبراء أن أي مفاوضات بين الكرد وتركيا ستتطلب أساسًا قويًا على الأرض. وعلى الرغم من أن الكرد أثبتوا أنهم من أفضل المقاتلين في العالم، إلا أنهم يواجهون خطرًا حقيقيًا من التهميش في اللعبة السياسية الإقليمية.
مستقبل غامض لكردستان سوريا
التحديات القادمة:
يواجه الكرد في سوريا مستقبلًا غامضًا، حيث يتعرضون لضغوط عسكرية وسياسية متزايدة من تركيا والقوى الإقليمية الأخرى. ومع احتمال تخلي الولايات المتحدة عنهم، يصبح مستقبل كردستان سوريا أكثر تعقيدًا.
الدروس من إقليم كردستان العراق:
قد تكون تجربة إقليم كردستان العراق مصدر إلهام للكرد السوريين، حيث تمكن الكرد العراقيون من بناء إدارة مستقرة بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة. ولكن الفروق الجوهرية بين الوضعين تجعل من الصعب تطبيق نفس النموذج في سوريا.
معركة كوباني ليست مجرد صراع عسكري، بل هي معركة من أجل البقاء والهوية للكرد في سوريا. وفي ظل التحديات الكبيرة، يبقى السؤال: هل سيتمكن الكرد من الحفاظ على وجودهم في منطقة تشهد تحولات جذرية؟
- للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر