منوعات

طقوس الحداد المؤجلة في سوريا.. عائلات المعتقلين تبحث عن العدالة

“حياتي معلّقة ما بين أمل إيجاد ابني حمزة أو العثور على وثيقة تثبت وفاته أو رفات عائدة لجسده للخروج من دوامة الانتظار العالقة بها منذ عام 2012″، كلمات مليئة بالغصة قالتها أم سورية تدعى رمزية الموسى المكسور لموقع تلفزيون سوريا، تعبّر من خلالها عن تعلقها بأبسط فكرة تحدد مصير ابنها، كمئات آلاف الأمهات السوريات اللواتي لا يفارقهن الأمل بلقاء أطفالهن أحياء أمام أعينهن مرة أخرى، حتى بعد تحرير سوريا في 8 كانون الأول 2024 وخروج جميع المعتقلين من سجون النظام السوري المخلوع.

وفي 28 من كانون الأول 2024 أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” تقريرًا أكد وجود ما لا يقل عن 112 ألفًا و414 شخصًا لا يزالون قيد الاختفاء القسري على يد النظام السوري المخلوع، على الرغم من الإفراج عن آلاف المعتقلين في الأسابيع الأخيرة إثر فتح جميع مراكز الاحتجاز التابعة لنظامه. التقرير سلط الضوء على استمرار الكارثة الإنسانية الناتجة عن الاعتقال التعسفي في سوريا، حيث قدّرت الشبكة عدد المفرَج عنهم بنحو 24 ألفًا و200 شخص فقط.

“اعتقلوه من دون ذنب وأخفوا مكانه”

عدم نجاة جميع الأشخاص الذين اعتقلهم النظام السوري المخلوع تسبب بكارثة نفسية لذويهم، خاصة أن كثيراً من الناجين خرجوا بعد أكثر من عشر سنوات، مما زاد الأمل لدى العائلات السورية التي حُرمت من أحد أفرادها. ولكن، عدم تحقق ذلك الأمل أدى لانهيار معنوياتهم، وتعرضهم لخيبة أمل محاطة بـ”بصيص من النور”، كما وصفتها رمزية لموقع “تلفزيون سوريا”.

حمزة كان طالبًا قد تخرج حديثا من كلية الاقتصاد بجامعة حلب واسمه حمزة الموسى المكسور. وفي أثناء عودته بعد استلام شهادته الجامعية، اعتقله عناصر حاجز عسكري بين حماة وحلب بسبب نسيانه دفتر الخدمة العسكرية، رغم أن سائق السيارة ذهب لإحضاره. لكنّ سرعة إجرام العناصر حالت دون تمكنه من إنقاذ حمزة، وفق ما روت والدته رمزية خلال حديثها.

غياب المعلومات عن حمزة فاقم معاناة أسرته. أفادت والدته بأنهم “بعد اعتقال حمزة، توصلنا إلى مكان احتجازه في الأسبوع الأول عبر شاب نجا من سجن البالوني بحمص، إذ طلب منه إيصال رسالة لنا بأنه لم يعترف بشيء وهو بريء من كل التهم الموجهة إليه. في تلك الفترة وكلّنا محاميًا حاول لعدة أشهر إخراجه، لكنه رفض بالنهاية متابعة القضية قائلاً: لا أعلم أين حمزة. حتى رأينا منشورا لشاب على منصة فيس بوك يقول إنه رأى حمزة آخر مرة في نيسان 2013 في فرع ‘215’ بدمشق”.

 

منذ اعتقال حمزة وحتى اليوم، استمرت عائلة المكسور في البحث عن بصيص أمل أو معلومة تقود إلى مكان اعتقاله، حتى بعد ملاحقتهم من النظام السوري المخلوع وانتقالهم إلى تركيا للحفاظ على حياتهم. عندما كان يصدر الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد عفوًا عامًا، كانت العائلة تحاول إرسال أقاربها للسؤال عنه. وفي العفو الصادر عام 2016، استلمت خالة حمزة الهوية الشخصية العائدة له وهاتف شخص آخر، وطُلب منها البحث عنه في المستشفى العسكري بدمشق، لكن من دون جدوى، مما ترك العائلة بين أمل كاذب ويأس مطبق. حتى بعد تحرير سوريا في 8 كانون الأول 2024، لم يتمكنوا من معرفة أي شيء عنه.

ذاكرة جماعية قاسية

حول الأمل الذي يتعلق به أهالي المعتقلين، قالت الباحثة الاجتماعية في مركز “عمران للدراسات الاجتماعية” حلا حاج علي لموقع تلفزيون سوريا: “طقوس الحداد في المجتمع السوري تعتمد بشكل كبير على وجود جثمان أو وثيقة تثبت الوفاة. الشهادة والدفن من الخطوات المهمة للتعامل مع الفقد، وعند غيابهما تبقى العائلات في حالة غموض وغير قادرة على التصالح مع الوفاة”. وأشارت إلى أن السوريين يعيشون في ظل ذاكرة جماعية مليئة بالظلم والقهر، مما يجعل الأمل بالعثور على الأحباء رمزًا لتحقيق العدالة للمجتمع بأكمله، وليس مجرد رغبة شخصية.

وأضافت حلا: “يُعتبر التمسك بالأمل طريقة نفسية يستخدمها الأشخاص لحماية أنفسهم من الألم الشديد. فعندما يختفي أحد الأحباء، يرفض العقل أحيانًا فكرة موته ويفضّل التعلق بأمل أنه ما زال على قيد الحياة. يمنح ذلك العائلة شعورًا وهميًا بالسيطرة وسط الفوضى، ويدفعهم للبحث باستمرار عن أي دليل أو خبر يمنحهم هدفًا يركزون عليه”.

غياب التصريحات الرسمية الواضحة من حكومة تصريف الأعمال السورية حول مصير المفقودين أو المقابر الجماعية يزيد الغموض لدى الأهالي، إذ لم تُكشف هويات رفات الأشخاص في المقابر الجماعية المكتشفة، مما يحرمهم من إغلاق هذا الجرح. في المقابل، التعرف على بعض المفقودين وإعلان وفاتهم رسميًا يساعد بعض العائلات على تقبل الواقع، وفق الباحثة.

وترى حاج علي ضرورة وجود جهود منظمة لتوجيه العائلات في البحث عن أحبائهم والحصول على المعلومات الصحيحة. القضية تحتاج إلى منصات رسمية واحدة ومعتمدة تصدر الأخبار وتتعامل بشفافية وتنظيم. كما ينبغي تسليط الضوء على القضية عبر وزارة خاصة بالمعتقلين السابقين أو أهالي المختفين قسرًا، أو من قضوا تحت التعذيب وتأكدت عائلاتهم من ذلك عبر صور “قيصر”. هذه الوزارة يمكن أن ترعى هؤلاء نفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا كنوع من “جبر الخواطر”، كما وصفت.

فكرة بقاء أكثر من 112 ألف سوري مجهولي المصير، بينهم نساء وأطفال، تزيد من رغبة أهالي المعتقلين بمحاسبة كل من تورط واتسخت يداه بدماء السوريين. هذه المطالب هي أولوية لتحقيق العدل والانتصار الحقيقي للثورة السورية، كما أكدت رمزية الموسى المكسور لموقع تلفزيون سوريا.

 

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى