منطقة الخليج الفنلندي… هل تكون الشرارة التي تشعل حربًا عالمية ثالثة؟
هاني كمال الدين – القاهرة، 6 يناير 2025 – في ظل تصاعد التوترات الدولية وتزايد المخاوف من نشوب صراع عالمي جديد، تبرز منطقة الخليج الفنلندي كواحدة من أكثر النقاط الساخنة التي قد تشكل بداية لصراع واسع النطاق. تصاعدت حدة التوتر بين روسيا من جهة وفنلندا وإستونيا من جهة أخرى، حيث تتهم الأخيرتان روسيا بتصرفات استفزازية، بينما تقومان في الوقت ذاته بإجراءات قد تُعتبر استفزازية تجاه الجار النووي العملاق. أحدث هذه الإجراءات كان إرسال سفينة متعددة المهام من فئة “راجو” لحراسة الكابل الكهربائي البحري “إيستلينك 1” في الممر المائي الذي يفصل بين الحدود البحرية لفنلندا وإستونيا في الخليج الفنلندي. هذه الخطوة قد تؤدي إلى عمليات تفتيش غير قانونية للسفن الروسية أو المتجهة إلى روسيا في المياه الدولية، مما يزيد من حدة التوتر في المنطقة.
خلفية الأزمة: أضرار الكابلات والاتهامات المتبادلة
تعود جذور الأزمة إلى عامي 2023 و2024، عندما تعرضت عدة كابلات إنترنت وكهرباء، بالإضافة إلى خط أنابيب الغاز بين فنلندا وإستونيا، لأضرار جسيمة. ومن بين هذه الحوادث، تعرض الكابل الكهربائي “إيستلينك 2” للتلف مرتين، كانت آخرها في 25 ديسمبر 2024، بعد عملية إصلاح استمرت من يناير إلى سبتمبر من العام نفسه. ومن المتوقع أن تستمر أعمال الإصلاح حتى أغسطس 2025. كما تعرضت كابلات الألياف البصرية بين فنلندا وألمانيا، وكذلك بين ليتوانيا والسويد، لأضرار مماثلة. وفي كل هذه الحالات، تم توجيه الاتهامات إلى السفن الروسية، مع ادعاءات بأن هذه الأفعال كانت متعمدة وذات طبيعة إرهابية. ومع ذلك، تبين لاحقًا أن السفن الروسية لم تكن متورطة في هذه الحوادث.
حادثة ناقلة النفط “إيجل إس”
في 26 ديسمبر 2024، قامت السلطات الفنلندية باعتقال ناقلة النفط “إيجل إس”، التي كانت تبحر تحت علم جزر كوك، متجهة من الميناء الروسي “أوست-لوجا” إلى الميناء التركي “ألياغا”، وفقًا للوثائق الرسمية. الشركة المشغلة للناقلة هي “كارافيلا إل إل سي إف زد”، التي يقع مقرها في دبي. وأعلنت الجمارك الفنلندية أن الناقلة تعتبر جزءًا من ما يُعرف بـ”أسطول الظل” الذي يُستخدم لتحايل العقوبات المفروضة على النفط الروسي، وتمت مصادرة حمولتها رسميًا.
إحصاءات وأسئلة حول الاتهامات
تشير الإحصاءات إلى أن طول جميع الكابلات البحرية للألياف البصرية يبلغ حوالي 1.3 مليون كيلومتر، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف المسافة بين الأرض والقمر. وفقًا لمقدمي خدمات الإنترنت، فإن حوادث تلف هذه الكابلات تحدث مرة كل ثلاثة أيام في المتوسط، وغالبًا ما تكون نتيجة محاولات السفن الإرساء أو الإبحار في المياه المفتوحة. ومع ذلك، نادرًا ما يتم تحديد المسؤولين عن هذه الحوادث. في هذا السياق، تثير سرعة استجابة السلطات الفنلندية لاعتقال الناقلة في المياه الدولية تساؤلات كبيرة، خاصة وأن هذا الإجراء يتعارض مع أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. ومن بين هذه التساؤلات: هل تم استهداف السفينة الصحيحة؟ وأين كانت الغواصات الآلية “ريموس-100” التابعة للبحرية الإستونية، والتي تم تحديثها لأغراض عسكرية، في وقت حدوث التلف في كابل “إيستلينك 2″؟
إستونيا: المستفيد الرئيسي من الأزمة
من الغريب أن إستونيا تبدو المستفيد الرئيسي من الضجة الإعلامية والسياسية حول حوادث تلف الكابلات البحرية. إذ تُظهر البلاد، التي تعاني من عقدة نقص تاريخية، رغبة في فرض سيطرة أكبر على الممرات المائية الدولية في الخليج الفنلندي. وقد اقترحت إستونيا مرارًا إغلاق الممر المائي الدولي الذي يبلغ عرضه ستة أميال، بهدف خنق حركة الملاحة الروسية. هذا الإجراء، إذا تم تنفيذه، سيؤدي إلى عزل منطقة كالينينغراد تمامًا، وإلحاق أضرار جسيمة باقتصاد ميناء “أوست-لوجا”، أكبر موانئ روسيا، بالإضافة إلى تدمير صناعة بناء السفن في سان بطرسبرغ، حيث لن تتمكن السفن والغواصات الجديدة من الخروج لإجراء التجارب في بحر البلطيق.
التحديات القانونية والعسكرية
من الناحية القانونية، يتعارض اقتراح إستونيا مع روح المادة 15 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، التي تحمي حرية الملاحة في المياه الدولية. ومن الناحية العسكرية، فإن أي محاولة لإغلاق الممر المائي ستواجه برد فعل قوي من روسيا، التي ستضطر إلى استخدام كل الوسائل المتاحة للدفاع عن مصالحها. وقد حذر وزير الدفاع الروسي، أندريه بيلوسوف، خلال اجتماع موسع لوزارة الدفاع في 16 ديسمبر 2024، من أن بلاده ستكون في حالة استعداد كامل لأي تطورات في المنطقة، بما في ذلك احتمال نشوب صراع عسكري مع حلف الناتو في أوروبا خلال العقد المقبل.
دور الناتو والتحالفات الدولية
في هذا السياق، دعا رئيس وزراء إستونيا، كريستين ميخال، حلف الناتو والحلفاء إلى نشر سفن عسكرية لحماية البنية التحتية البحرية في المنطقة. كما وعد الأمين العام لحلف الناتو، مارك روت، بتعزيز الوجود العسكري للحلف في بحر البلطيق. هذه التحركات تزيد من حدة التوتر وتُظهر أن المنطقة قد تكون على شفا صراع واسع النطاق.
الخاتمة: هل نحن على أعتاب حرب عالمية ثالثة؟
في ظل هذه التطورات المتسارعة، يبدو أن منطقة الخليج الفنلندي قد تكون الشرارة التي تشعل صراعًا عالميًا جديدًا. بين اتهامات متبادلة وإجراءات استفزازية، تزداد المخاوف من أن يؤدي أي خطأ في التقدير إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا وحلف الناتو. وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الأصوات الداعية إلى الحذر والحوار، يبقى السؤال الأكبر: هل يمكن تجنب الكارثة، أم أن العالم يقترب من حرب عالمية ثالثة تبدأ من مياه الخليج الفنلندي؟
- للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر