منوعات

إخوان سوريا وفرصة إعادة التأسيس والتموضع التي لن تتكرر

 

كان يوم 8 من كانون الأول 2024 نقطة تحول كبيرة في المنطقة، فقد تحرّرت سوريا من ربقة نظام الأسد بعد ثورة استمرت 14 عاماً، قدّم خلالها الشعب السوري كثيرا من التضحيات من شهداء ومعتقلين ومهجرين وبنية تحتية مدمرة بشكل شبه كامل، وهذا التحرير سوف ينعكس بشكل كبير على المنطقة والتحالفات والتكتلات وحتى المشاريع الدولية والإقليمية.

لكن أكبر انعكاس لهذا التحرير سيكون داخل الشعب السوري، أفرادا وجماعات ومكونات، بالذات على مستوى المنظمات والجماعات والأحزاب، فما حدث قلب الرؤى التقليدية وأوقف الاستراتيجيات السابقة، وأحدث زلزالا في الخطط وطرق التفكير وآليات العمل التي كانت تسير عليها هذه الجماعات والأحزاب والتكتلات.

لعل أكثر مكون أو جماعة ستقف كثيرا لإعادة تموضعها وترتيب أولوياتها ومراجعة خططها وأوراقها هي جماعة الإخوان المسلمين في سوريا..

ففكرة المعارضة لنظام مستبد توقفت في صباح يوم 8 من كانون الأول، وآليات العمل المعارض لم تعد تجدي أو تنفع في واقع جديد ومختلف تماما، وخطط العمل المعارض ومواجهة النظام المستبد أصبحت فجأة غير صالحة للاستخدام والاستمرار، كل ذلك توقف مع لحظة دخول دمشق وإعلان الإدارة الجديدة السيطرة على البلاد وإسقاط النظام.

ماذا يعني يوم التحرير لإخوان سوريا؟

لعل أكثر مكون أو جماعة ستقف كثيرا لإعادة تموضعها وترتيب أولوياتها ومراجعة خططها وأوراقها هي جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، فالجماعة الأكبر من حيث البناء التنظيمي والكتلة البشرية والممارسة السياسية والمجتمعية، أمضت أكثر من خمسين عاماً في المعارضة، داخل الوطن وخارجه، ما بين التقلب في التحالفات والاستراتيجيات والتموضع الجغرافي والعلاقات السياسية.

بل إنها تكاد أكثر جماعة إسلامية تشكّلت لديها أجيال جديدة تفكر وتجيد العمل كمعارضة أكثر من التفكير كمواطن طبيعي داخل وطنه، بسبب التهجير القسري والتقييد القانوني الذي مورس عليها وغيابها عن التلاحم المجتمعي طوال خمسين عاماً.

من هنا فإن يوم الثامن من كانون الأول لم يكن يوما عاديا في تاريخ الجماعة، فهو بداية مرحلة جديدة مختلفة تماما عن خمسين عاما مضت، وإذا كان هذا اليوم هو يوم تحرير سوريا ودخول دمشق العاصمة وإسقاط النظام، فهو في تاريخ الجماعة يجب أن يكون يوم تحرير الجماعة من فكرة الدور المعارض، وبداية التأسيس الثاني لها بعد التأسيس الأول على يد المؤسس الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله، وإسقاط جميع القيود التي تعيق سيرها ونهضتها.

المراجعات ثم المراجعات

أول خطوة تحتاجها الجماعة هي عملية مراجعات شاملة وعميقة وعملية، وكل كلمة هنا مقصودة بذاتها، فلم تعد تجدي المراجعات المحدودة أو السطحية أو النظرية.

من ضمن ملفات المراجعات التي يجب أن تتم هو “المشروع السياسي لسورية المستقبل”، الذي أصدرته الجماعة عام 2004، والذي كان في وقته وإلى وقت قريب متقدما على جميع المشاريع السياسية التي أصدرتها الأحزاب والكيانات والتنظيمات..

أثبتت الأحداث المستجدة والمآلات التي وصلنا لها، أن بعض الاستراتيجيات التي اعتمدتها الجماعة خلال سنوات الثورة ربما لم تكن ناجعة ومفيدة في جميع مراحل الثورة، وكان على الجماعة أن تكون عالية المرونة في التغيير والتعديل على هذه الاستراتيجيات بما يتناسب مع طبيعة المرحلة، بالذات استراتيجية “الصف الثاني” التي انتهجتها الجماعة سياسيا وعسكريا، خوفاً منها على الثورة وتأكيدا على إطارها الوطني والشعبي، لكن هذه الاستراتيجية آلت بالجماعة إلى دور هامشي نتيجة لعدم المرونة في مراجعتها ومراعاة تغير الظروف وواقع الثورة في مراحل مختلفة.

ومن ضمن ملفات المراجعات التي يجب أن تتم هو “المشروع السياسي لسورية المستقبل”، الذي أصدرته الجماعة عام 2004، والذي كان في وقته وإلى وقت قريب متقدما على جميع المشاريع السياسية التي أصدرتها الأحزاب والكيانات والتنظيمات، لكن يبدو أن الوقت قد حان لمراجعة هذا المشروع وطرحه بما يتناسب مع المرحلة التي تعيشها سوريا.

ولعل من أهم المراجعات التي يجب أن تقوم بها الجماعة هي مسألة رؤية الجماعة ودورها في المرحلة القادمة، فلم يعد من المجدي الاستمرار في مربع المعارضة كما كان سابقا، ولم يعد من المنطق التحدث بنفس الخطاب والأفكار، وحتى طبيعة الدور الذي يجب أن تقوم به الجماعة في المرحلة القادمة ما بين السياسي والدعوي والتربوي، أصبح من الضروري توضيح هذه المساحات والأدوار.

ما بين المعارضة والمساندة والمناصحة

ربما السؤال الأهم الذي يجب على الجماعة أن تجيب عنه وبصوت عال، هو أين يجب أن تقف الجماعة في سورية الجديدة؟ وما هو الدور الذي يجب أن تلعبه؟

ربما أجابت الجماعة في بعض التصريحات عن هذا السؤال بأنّها تقف داعمة ومساندة للإدارة الجديدة والمرحلة الانتقالية، لكنها إجابة تحتاج إلى تفاصيل كثيرة وآليات عملية لنقلها لحيز التطبيق والتفعيل.

لم تمارس الجماعة منذ تأسيسها عملاً سياسياً تشاركياً في السلطة إلا في السنوات الأولى من تأسيسها أيام الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله، حين انتُخب نائباً عن دمشق في الجمعية التأسيسية عام 1949، ثم نائباً لرئيس المجلس، فعضوا في لجنة الدستور.

فالسلطة الجديدة قادمة من قلب الثورة التي شاركت فيها الجماعة، ولم يعد هناك مبررات للبقاء في مربع المعارضة كما كانت، وعلى الجماعة أن تفكر بطريقة مختلفة لتنتقل إلى مربع الداعم والمساند والناصح للسلطة الجديدة..

هذا الانقطاع عن الممارسة التشاركية في السلطة أو الدور الفاعل في الساحة السياسية والاجتماعية السورية، والذي كان نتيجة طبيعية للإقصاء الذي مارسه النظام البائد ضدها منذ سبعينيات القرن الماضي، جعل الجماعة تمارس دور المعارضة طوال هذه السنوات، وبالتالي تشكلت وتبلورت عقلية المعارضة أكثر من عقلية المشاركة أو المساندة للسلطة، وتم بناء على ذلك صياغة الاستراتيجيات والآليات في العمل والممارسة.

أما الآن فقد اختلف الوضع كثيرا، فالسلطة الجديدة قادمة من قلب الثورة التي شاركت فيها الجماعة، ولم يعد هناك مبررات للبقاء في مربع المعارضة كما كانت، وعلى الجماعة أن تفكر بطريقة مختلفة لتنتقل إلى مربع الداعم والمساند والناصح للسلطة الجديدة.

وهذا لن يكون إلا من خلال دعم الخطوط العريضة للمرحلة الانتقالية التي أقرتها السلطة الجديدة، والعمل على دعم أي قرار يخدم استقرار سوريا ووحدة أراضيها وتمرير المرحلة الانتقالية بكل هدوء، للحفاظ على مكتسبات الثورة والتحرير.

وهذا لا يعفي الجماعة من الدور الناصح والموجه -إن دعت الضرورة- للسلطة الجديدة، فالجميع على متن السفينة، ومصير هذه السفينة مشترك، كما أن على الجماعة أن تركز -في هذه المرحلة- على إعادة التأسيس تنظيميا وشعبيا، وإعادة تقديم خطاب وطني مختلف عن السابق ويراعي التغيرات التي حدثت، مع تفكيك التقوقع التنظيمي وتوسعة الإطار الوطني الذي يخدم إصلاح الوطن ونهضته ووحدته بجميع مكوناته.

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Open chat
Scan the code
مرحبا...
كيف يمكنا مساعدتك؟