موسكو تجد بالشراكات الدولية متعددة الأقطاب سبيلاً لإنهاء النزاعات
محمد الرشيدات
وسط الأحداث العالمية المتلاحقة
وعين على روسيا الاتحادية التي تمتد على مساحات شاسعة من شمال آسيا إلى شرق أوروبا. إنها دولة مترامية الأطراف ولها تاريخ طويل تعود صفحاته الأولى إلى أكثر من ألف عام. واستطاعت من خلالها أن تواجه العديد من التحديات وأرقاماً قياسية من الإنجازات المتوالية، لتصعد إلى أرض الواقع. ولا يمكن فصل قطاعاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية وثقافتها في هذا الصدد وتنوعها في مجتمع يضم أكثر من 89 كيانا اتحاديا، 22 منها جمهوريات ضمن لها الدستور الروسي حق إنشاء لغتها الرسمية الخاصة، دستورها الخاص، والنشيد الوطني الذي تفتخر به.
ومع تعاقب الرؤساء الذين تولوا مهمة قيادة الدولة الروسية على مر العصور، شهدت موسكو بمظهرها السياسي الجديد أواخر التسعينيات نقلة نوعية على كافة الأصعدة، رسخت حضورها على خريطة أقوى الدول التي لها ثقل سياسي واقتصادي في العالم أجمع، ضمن رؤية دولة تتبنى سياسة التقارب. والانفتاح على العالم مع عدم التدخل في شؤونه الخاصة واحترام الآخرين لسيادته على كافة أراضيه.
توج بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، منذ توليه رئاسة الرئاسة لأربع فترات “غير متتالية” ابتداء من العام 2000، بولاية خامسة عن جدارة في مارس 2024، فاز بها لصالحه بنسبة 87% من الأصوات. أصوات الناخبين الروس، وهو دعم شعبي واسع يعكس مدى الثقة. فالشارع الروسي، بحكمة زعيمه الذي يتولى السلطة منذ أكثر من 25 عاماً، يتبنى سياسات جديدة يمكن تنفيذها، سواء على المستوى الداخلي من خلال الحفاظ على السلام هناك، أو على المستوى الخارجي الذي يتعلق – تأمين المناطق الحدودية ودرء الأخطار التي تستهدف أعماق الدولة وتجبرها على الدخول. في خضم حرب نأت موسكو بنفسها عنها منذ فترة طويلة.
ويمكن تفسير أولويات السياسة الخارجية الروسية على الصعيدين الدولي والإقليمي، بحسب ما جاء في وثيقة مبادئ السياسة الخارجية الروسية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في 31 مارس 2023 بعد توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مرسوم بالموافقة عليها، بأنها مستمدة من رؤية روسيا لواقع العالم الآن. والاتجاهات التي سترسم ملامحها ومستقبلها، في إطار لا ينفصل عن أهداف ومصالح وأولويات السياسة الخارجية الروسية على الصعيدين الدولي والإقليمي.
تسعى روسيا اليوم نحو نظام علاقات دولية يضمن الأمن الموثوق، ويحافظ على هويتها الثقافية والحضارية، وتكافؤ فرص التنمية لجميع الدول، على أساس نظام علاقات متعددة الأقطاب يقوم على عدد من المبادئ، مثل: المساواة في السيادة بين الدول، واحترام حقها في اختيار نماذج التنمية والنظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، والتعاون على أساس توازن المصالح والمنفعة المتبادلة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وسيادة القانون الدولي، – عدم تجزئة الأمن على الصعيدين العالمي والإقليمي.
بالإضافة إلى ذلك، سعت موسكو دائمًا ولا تزال تسعى إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية على المستوى الدولي، بهدف ضمان أمنها الاقتصادي، وسيادتها الاقتصادية، ونموها الاقتصادي المستدام، والتطور التكنولوجي، وتحسين القدرة التنافسية الدولية للاقتصاد الوطني، والحفاظ على مكانة روسيا. مكانتها الرائدة في الاقتصاد العالمي، والحد من المخاطر واغتنام الفرص الناشئة، خاصة في ظل المتغيرات التي يشهدها الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية.
أما بالنسبة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، فقد أكدت روسيا مراراً وتكراراً سعيها إلى زيادة القضايا الاقتصادية والأمنية والإنسانية وغيرها مع دول المنطقة، وإنشاء هيكل شامل ومنفتح وغير قابل للتجزئة يقوم على المنفعة المتبادلة في حدود إطار واحد. ونهج جماعي غير انحيازي، يتجه نحو إطلاق العنان لإمكانات المنطقة. مع احترام أنظمتها الاجتماعية والسياسية وقيمها الروحية والأخلاقية التقليدية.
وإذا أردنا أن نتناول الرغبة الروسية في توطيد العلاقات مع دول العالم الإسلامي، نجد رغبة كبيرة في فتح آفاق واسعة معها لترسيخ نفسها كمركز مستقل للتنمية العالمية، بما يساعد موسكو على أن تكون مركزا مستقلا للتنمية العالمية. شريك دائم وفعال وأكثر موثوقية في ترسيخ قيم العيش المشترك وضمان الأمن والاستقرار. انفتاحها على تعزيز الحوار والتفاهم بين الأديان والثقافات، بما يؤدي إلى حل مختلف القضايا الشائكة التي يعاني منها القطاع الاقتصادي بشكل خاص.
وينطبق هذا أيضاً بشكل كامل على مستوى العلاقات التي تجمع روسيا الاتحادية مع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مستنيراً بالفكر المعتدل نحو إنشاء هيكل تعاوني وأمن إقليمي شامل ومستدام في المنطقة، على أساس تضافر قدرات الجميع. الدول والتحالفات القائمة فيما بينها، بما في ذلك جامعة الدول العربية. ومجلس التعاون الخليجي، فضلا عن دعم الجهود الرامية إلى إيجاد حل شامل ودائم للقضية الفلسطينية.
وبالإضافة إلى ذلك، تتجه السياسة الروسية نحو تعميق التعاون الروسي الأفريقي في مختلف المجالات على أساس ثنائي ومتعدد الأطراف، وبالدرجة الأولى في إطار الاتحاد الأفريقي ومنتدى الشراكة الروسي الأفريقي، سعياً لزيادة التجارة والاستثمار مع الدول الأفريقية. وهياكل التكامل في القارة الأفريقية، مثل المنطقة. التجارة الحرة القارية الأفريقية، والبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد، وغيرها من المنظمات النشطة، ناهيك عن تعزيز وتطوير الروابط في المجال الإنساني، بما في ذلك التعاون العلمي، وتدريب الكوادر الوطنية، وتعزيز النظم الصحية، وتعزيز الحوار بين الثقافات، و حماية القيم الروحية والأخلاقية التقليدية.
أما بالنسبة للعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فبالرغم من تصاعد الخلافات بين موسكو وواشنطن، خاصة في أعقاب الأزمة الروسية الأوكرانية، فإن روسيا الاتحادية مهتمة بالحفاظ على التكافؤ الاستراتيجي والتعايش السلمي مع الولايات المتحدة، و تحقيق توازن المصالح بين الجانبين، مع الأخذ في الاعتبار موقعهما كقوتين رئيسيتين. وعلى المستوى العالمي، تقع على عاتقهم مسؤولية خاصة تتمثل في تحقيق الاستقرار الاستراتيجي والأمن الدولي.
وتهدف الرؤية الروسية للنظام الدولي إلى تبني نظام متعدد الأقطاب تكون شريكا أساسيا فيه، وهو ما تطمح إليه موسكو دائما من أجل توسيع دورها وتعميق علاقاتها على كافة المستويات مع القوى الكبرى غير الغربية، وتحديدا الهند. والصين، بينما تلعب دورًا أكبر في العديد من المناطق حول العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط وأفريقيا.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : alwatannews