منوعات

أحداث قيصري التركية أبعد من مُجرد عنصرية

هناك ثلاثة نتائج يجب قراءتها بعناية حول الهجمات العنصرية التي تعرض لها السوريون في ولاية قيصري التركية وردود الفعل التي تلتها في شمال سوريا.

أولاً، يتم التعبير عن خطاب الكراهية ضد السوريين في تركيا بشكل متزايد من خلال العنف المنظم.

والثانية هي أن ظاهرة العنصرية قد تشعل صداماً خطيراً بين المجتمع التركي ومجتمع اللاجئين السوريين إذا لم تظهر الحكومة التركية حزماً شديداً في قمع خطاب الكراهية.

ثالثها، أن ردود الفعل العفوية في شمال سوريا قد تنزلق في لحظة غضب إلى وضع يحمل في طياته الكثير من المخاطر على العلاقة بين تركيا والبيئة السورية التي تستضيفها.

إن هذه النتائج الثلاث مجتمعة تقودنا إلى الهدف الأخطر لمشروع خطاب الكراهية ضد السوريين في تركيا، وهو خلق صدام مجتمعي واسع النطاق معهم، وتقويض إحدى نقاط القوة التركية في سياستها تجاه سوريا.

ورغم أن الظروف الموضوعية مثل العوامل الاجتماعية والاقتصادية قد أرست الأساس لخطاب الكراهية ضد السوريين، فإن انتهازية أحزاب المعارضة التركية واستثمارها المفرط لقضية اللاجئين في السياسة الداخلية من أجل جذب الناخبين قد أعطى هذا الخطاب زخماً قوياً.

إن ارتفاع خطاب الكراهية إلى هذا المستوى يفرض مسؤولية مشتركة على الحكومة والأحزاب السياسية المعارضة ووسائل الإعلام في تركيا للحد من هذه الظاهرة لأنها لا تهدد فقط بالتسبب في اضطرابات مجتمعية خطيرة مع مجتمع اللاجئين السوريين.

ولكن إحجام الحكومة في السنوات الأخيرة عن تبني استراتيجية حازمة ضد خطاب الكراهية، لأسباب انتخابية في الغالب، خلق مساحة إضافية لأحزاب المعارضة لاستغلال قضية اللاجئين بشكل أكبر وتعبئة المجتمع التركي ضدها. ولا يمكن تجاهل حقيقة أن قضية اللاجئين السوريين أصبحت بشكل متزايد قضية رأي عام محلي. ومع ذلك، فإن خطاب الكراهية لا يعكس حقيقة تركيا (مجتمع ودولة) كدولة ترحب باللاجئين والأجانب بغض النظر عن دينهم وعرقهم. وحتى أغلبية الأتراك الذين يريدون معالجة قضية اللاجئين السوريين يرفضون خطاب الكراهية بوضوح لأنه ببساطة لا يعكس طبيعتهم وتعاطفهم مع محنة السوريين.

ولكن ارتفاع خطاب الكراهية إلى هذا المستوى يفرض مسؤوليات مشتركة على الحكومة والأحزاب السياسية المعارضة ووسائل الإعلام في تركيا للحد من هذه الظاهرة لأنها لا تهدد فقط بالتسبب في اضطرابات مجتمعية خطيرة مع مجتمع اللاجئين السوريين، بل تؤثر بشدة أيضا على سياسات تركيا ومصالحها في سوريا ونظرة السوريين والعالم العربي إليها.

إن مسؤولية الحكومة في الحد من هذه الظاهرة تبدو أكبر بكثير من مسؤولية المعارضة، لأن الحكومة ببساطة هي التي تملك سلطة محاسبة الأفعال العنصرية، والأهم من ذلك الأدوات التي ترفع التكاليف على أولئك الذين يحملون خطاب الكراهية وينشرون السم بين المجتمع التركي واللاجئين. وهذا يتطلب أساسًا تحويل رفض خطاب الكراهية إلى قضية سياسية وقضية رأي عام وطني وترجمة ذلك إلى خطوات قانونية وقضائية مثل العقوبة وسن القوانين التي تجرم هذا الخطاب.

إن ردود الفعل الأخيرة في شمال سوريا على حادثة قيصري، وإن كانت تبدو عفوية، إلا أنها تعكس قلقاً أعمق بين البيئة المؤيدة لتركيا في هذه المناطق إزاء التحول في سياساتها تجاه سوريا خلال العام ونصف العام الماضيين ورغبتها في تطبيع العلاقات مع دمشق. وهذا القلق مشروع لأن هذه البيئة تخشى أن تكون ضحية لهذا التحول.

وكما أن هناك جهات في تركيا تعمل على تأجيج ظاهرة الكراهية ضد السوريين لجذب الناخبين، فإن هناك جهات مختلفة في الخارج تجد في هذا الوضع فرصة مناسبة لتأجيج تداعيات خطاب الكراهية ضد السوريين والتحول السياسي التركي في سوريا لتدمير علاقة أنقرة بالدولة السورية الثورية. وهنا تقع مسؤولية مشتركة على تركيا والدولة السورية الثورية لقطع الطريق على هذه الجهات لخلق مثل هذه الفرصة.

إن مشروع التطبيع الذي فرضه الهوس التركي بمشروع الحكم الذاتي للوحدات الكردية، يهدف بالدرجة الأولى إلى خدمة المصالح الأمنية التركية في سوريا.

لقد قررت أنقرة مواصلة مسار التطبيع مع الأسد، والتحدي الرئيسي الذي تواجهه هو الحد من الضرر الذي قد يلحقه هذا الاتجاه بعلاقتها مع البيئة المضيفة. ومع ذلك، فإن تركيا ليست على استعداد للتضحية بعلاقتها مع هذه البيئة لأنها ستظل واحدة من الركائز الأساسية لسياستها السورية. كما أنها تواصل التعامل مع الحاجة إلى تسوية سياسية للصراع السوري باعتبارها ضرورة، وليس خيارا. ولا تملك البيئة المضيفة ترف التضحية بهذه العلاقة لأن ذلك سيكون بمثابة انتحار جماعي. إن التعامل مع الأفكار المسبقة حول نتائج التطبيع التركي السوري على أنها حقيقة لن يؤدي إلا إلى تسريع تحولها إلى حقيقة إذا لم يتم التعامل مع خطاب الكراهية واللحظة المحورية في السياسة التركية تجاه سوريا بقليل من الغضب وكثير من الحكمة.

إن مشروع التطبيع الذي فرضه الهوس التركي بمشروع الحكم الذاتي للوحدات الكردية، يهدف بالدرجة الأولى إلى خدمة المصالح الأمنية التركية في سوريا، ومن غير المعقول أن تتخلى تركيا عن التزاماتها تجاه السوريين في المناطق الشمالية، لأن هذا الالتزام مكمل لاستراتيجيتها الأوسع في سوريا.

وتسلط المخاطر المتزايدة المحيطة بعلاقة تركيا ببيئتها المضيفة في شمال سوريا الضوء على الحاجة إلى منطق جديد في إدارة هذه العلاقة يأخذ في الاعتبار من جهة التحولات في السياسة التركية في سوريا، ومن جهة أخرى حساسية هذه البيئة وقلقها المشروع من هوس تصفية القضية السورية.

 

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Open chat
1
Scan the code
مرحبا 👋
أهلاً! كيف يمكننا مساعدتك؟