«اللعب مع العيال» سياسة بروح الكوميديا
مارلين سلوم
شريف عرفة واثق في خطواته ويتقدم في عالم السينما، يعرف متى وكيف ومع من يخوض مغامراته السينمائية، فمنذ تعاونه في خمسة أجزاء مع النجم الكبير عادل إمام («اللعب مع الكبار»، «الإرهاب والكباب»، «المنسي»، «طيور الظلام»، «النوم في العسل»)، أثبت أنه رجل عظيم يلعب مع الكبار في ساحات الإبداع السينمائي، ويكسب الرهان في كل مرة، سواء في أفلامه الكوميدية أو الدرامية الاجتماعية («اضحك الصورة هتطلع حلوة»، «طيور الظلام»، «الكنز»، «الممر»، وغيرها الكثير..)، وها هو يضيف إلى سجله مجازفة محسوبة وعمل ناجح يحمل توقيعه كتابة وإخراجاً، إلى جانب «ابن الزعيم» محمد عادل إمام الذي يشارك في بطولة هذا الفيلم الاجتماعي الناجح الذي لا يزال يُعرض في دور العرض، «اللعب مع الكبار».
هل حقق فيلم “اللعب مع الأولاد” إيرادات كافية في صالات العرض في مختلف الدول العربية التي عرض فيها؟ قد تبدو الأرقام ضعيفة حين نقارنها بفيلم تصدر قائمة أعلى الأفلام إيرادات وربحاً بفضل الدعاية الضخمة والحملة المبالغ فيها التي رافقته وهدفت إلى دفع الجمهور لاختياره أولاً في دور العرض، لكن بعيداً عن الضجيج والصوت العالي، تكتشف أن أفلاماً أخرى عُرفت بجودتها ومضمونها واحترافية صناعها وعمالها وأبطالها نالت احترام الجمهور ونالت حبه ورضاه، مثل فيلم «اللعب مع الصغار»، الذي قرر كاتبه ومخرجه شريف عرفة تكرار موجة النجاح التي عرفها مع الزعيم عادل إمام في خمسة أفلام مميزة، منها «اللعب مع الكبار»، لكن هذه المرة باللعب مع ابنه محمد في فيلم تعمد عرفة تسميته بـ «اللعب مع الكبار» كنوع من التكريم للزعيم العظيم، واللعب على مشاعر الجمهور بتذكيره بنجاح أعمال ملك الكوميديا التي تعاون فيها مع عرفة، وكنوع من الإيحاء بأن العملين متشابهان أو متصلان بطريقة ما، بحيث يكون الجمهور ويفاجأون عند مشاهدتهم أنهم أمام فيلم جديد لا علاقة له بما قدمه عرفة والزعيم.
كان قدر محمد إمام أن يكون ابناً لأحد أهم نجوم الفن في الوطن العربي وربما الأكثر شعبية في تاريخ الفن، ولا خلاف على حبه واستمتاعه بأعماله المسرحية والسينمائية والتليفزيونية، فلابد أن يترك فنان استثنائي بحجم عادل إمام إرثاً ثميناً وفي نفس الوقت يترك عبئاً ثقيلاً على كاهل ولديه المخرج رامي إمام وشقيقه محمد، ومن الطبيعي أن يرى الجمهور صورة الأب في كل ما يقدمه الابن في التمثيل، لذلك عاش محمد إمام فترة من مواجهة المقارنات التي عقدت بينه وبين أداء والده وقاوم تلك الرياح التي حاولت التقليل من موهبته لينجح في الفترة الأخيرة، بعد تقديم مجموعة من الأعمال التليفزيونية والسينمائية، في تجاوز تلك المرحلة الصعبة والوقوف بثبات في ساحة النجومية المستحقة، خاصة أنه يمتلك كل مقومات نجم شباك التذاكر ونجم الكوميديا الأنيقة المرحة دون تكلف أو سذاجة.
لا مجال للمقارنة
كان التعاون الأول بين محمد إمام والمخرج شريف عرفة ناجحاً، لكنه لا يقارن بالنجاحات التي حققها المخرج في أفلامه السابقة مع عادل إمام، والتي كان عرفة فيها المخرج فقط، بينما كتب السيناريو لها الكاتب الكبير الراحل وحيد حامد. وهناك فرق كبير بين ما كتبه حامد وما قدمه شريف عرفة في هذا الفيلم، حتى وإن حاول الأخير تقديم السياسة مغلفة بروح الكوميديا الساخرة، كما كان يفعل وحيد حامد. وفي الحقيقة يمكن القول إن سبب عدم وصول فيلم “اللعب مع الصبية” إلى ذروة النجاح وإبهار الجمهور وترك بصمة لا تمحى، يرجع إلى ضعف سياق الكتابة. الفكرة جيدة، تدور حول الأستاذ علام النخاوي (محمد إمام) الذي يقرر الهروب من زوجته الرياضية عورة (ويزو) التي أجبر على الزواج منها، فقط حتى تظل الميراث وأرباح الأسرة من مركز التعليم الذي يملكه والده محمود النخاوي (حجاج عبد العظيم)، والذي يعمل به جميع أعمامه وخالاته، في أيدي الأسرة فقط. يقدم علام أوراقه ويتم قبوله مدرسًا في إحدى المدارس النائية بشرم الشيخ، لكنه يفاجأ بأنها خراب، مدرسة مهجورة في منطقة شبه معزولة بين الجبال والصخور. ورغم كل المصاعب وربما استحالة العيش في هذا المكان وغرابة السكان، وخاصة زعيم القبيلة أبو عقيلة (بيومي فؤاد) وأبنائه وكل أبناء وبنات القرية، يقرر علام تحدي الظروف والبقاء في المدرسة ومحاولة تعليم أبنائها.
رسائل الفيلم واضحة، تهيمن عليها الفكرة الاجتماعية والتربوية طوال أحداثه، حتى يقرر علام مواجهة أعدائه ومستغلي جهل أهل القرية، والوقوف في وجههم بتحصين الكبار والصغار بالتعليم، الذي يعتبر أهم وأقوى سلاح في أيدي أهل القرية وأبناء الوطن، فيتحدون ويتعلمون، ويتمكنون من مواجهة العدو أبو مجزوم (باسم سمرة)، الذي يحاول إغراء “الأستاذ علام” بتوفير كافة وسائل الترفيه والمتعة له، وإغرائه وتخديره بالكحول والمخدرات والسلاح. ويتمكن أبو مجزوم من السيطرة على المنطقة بأكملها، وبالتالي السيطرة على كافة العقول، وإعادة تشكيل وعي الناس والاستيلاء على الأرض. والحس الوطني هو المحفز والحافز الكافي للأستاذ لتعليم طلابه كيفية مواجهة الجهل بالتعليم، وكيفية مقاومة كل عدو، والتسلح بالشجاعة اللازمة للحفاظ على الأرض والوطن. ويستمد علام قوته من قوة أبناء القبيلة، أي أبناء سيناء الشرفاء، الذين لا يخافون مواجهة العدو مهما كانت أسلحته قوية ومهما كانت وسائله الدفاعية ضعيفة.
ولا نستطيع أن نصل إلى الخاتمة دون أن نعود إلى روعة أعمال شريف عرفة وعادل إمام ووحيد حامد، فالأخير كان ملك كتابة «السخرية السوداء» وتغليف الألم والهم الوطني بقالب مضحك ومحبب. لقد كان وحيد حامد بارعاً في اللعب على «الكبار» بكتابة ذكية ورسائل ضمنية يقدمها للجمهور فيضحك ويبكي في الوقت نفسه. لقد كان بارعاً في كتابة الشخصيات والمواقف والأحداث لتترك أثراً في نفوس الجمهور وتعيش إلى الأبد في ذاكرتهم وذاكرة السينما العربية؛ فـ«اللعب مع الصبية» جميل وفي وقته، وقد ترغب في مشاهدته يوماً ما، لكنه لن يخلد ولن يرقى إلى مستوى الأعمال الكوميدية الاجتماعية والسياسية والوطنية التي نرفع لها القبعات وصانعيها في كل وقت وكلما شاهدناها أو تذكرناها.
أداء جيد
أداء الممثلين لا تشوبه شائبة، خاصة محمد إمام الذي أصبح أكثر نضجًا وخبرة وقدرة على إبراز موهبته الحقيقية وكاريزما شخصيته، كما يبرز أيضًا باسم سمرة وبيومي فؤاد وأسماء جلال ومجموعة من وجوه الأطفال الجديدة، بينما تبدو ويزو مستفزة ومبالغ فيها في أدائها لدور الزوجة المتسلطة والقوية.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر