فرنسا تستيقظ من بهجة الألعاب الأولمبية على المأزق السياسي ذاته
مع انتهاء أولمبياد باريس، عادت فرنسا إلى المأزق السياسي الذي كانت تصارعه قبل أسبوعين، مع الأولوية المطلقة لتعيين رئيس وزراء، وفرض الهدنة السياسية التي كان الرئيس إيمانويل ماكرون يأملها، حيث نظمت فرنسا الألعاب الأولمبية واستقبلت العالم في أجواء احتفالية وفاز رياضيوها بمجموعة من الميداليات. بدت فترة الفرح هذه استثناءً في بلد أكثر ميلاً إلى التشاؤم والتذمر، لدرجة أن صحيفة وول ستريت جورنال كتبت ساخرة: “أكبر مفاجأة في أولمبياد باريس: حتى الفرنسيون لم يجدوا خطأ”.
الآن، يجب على ماكرون أن يتعلم من الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا إليها في خطوة مفاجئة في أواخر يونيو/حزيران وأوائل يوليو/تموز، والتي أنتجت ثلاث كتل بدون أغلبية: تحالف يساري تشكل في خطوة مفاجئة تحت اسم “الجبهة الوطنية الجديدة”، وكتلة ماكرون المتحالفة مع اليمين الجمهوري، والتجمع الوطني اليميني المتطرف.
ورغم أن حكومة غابرييل أتال استمرت بعد الانتخابات في تصريف الأعمال، فمن المتوقع أن تدعو الأوساط السياسية ماكرون إلى الوفاء بوعده بتعيين رئيس وزراء لتشكيل حكومة جديدة بحلول منتصف أغسطس/آب، قبل افتتاح دورة الألعاب البارالمبية في 28 أغسطس/آب.
وقال الخبير السياسي ستيفان روزيس “في بلد منقسم مثل فرنسا، تشكل الرياضة تقليدا يسمح للأمة بالعثور على نفسها دون وساطة سياسية”، مضيفا: “لكننا سنواجه قريبا الواقع… الناشئ عن الانتخابات”.
عشية الألعاب الأولمبية، رشح اليسار لوسي كاستيت (37 عاما) لرئاسة الحكومة، لكن ماكرون اعتبر أن الجمعية الوطنية لن تتأخر في الإطاحة بحكومتها. وهكذا يواصل الرئيس جهوده لتشكيل أغلبية صلبة حول الكتلة الوسطية، محاولا ضم الاشتراكيين إليها، بينما يتهمه خصومه برفض حكم صناديق الاقتراع. ولم تتسرب أي معلومات في باريس عن المشاورات الجارية، واكتفى أحد المقربين من ماكرون بالقول إنه “ما زال يفكر”.
وبعد اقتراح عقد اجتماع لمجلس الوزراء يوم الاثنين، تم تأجيله إلى موعد لاحق، وعلق أحد أعضاء الحكومة: “من يقول لك إن لذلك تداعيات فهو إما كاذب أو واهم”، لكن هذه الفترة من “التأمل” لا يمكن أن تستمر. وأشار مصدر وزاري إلى أن “الضغط الداخلي سيكون قويا للغاية لأن الميزانية يجب أن تتم الموافقة عليها” في سبتمبر/أيلول، في حين أقر المعسكر الرئاسي بأن الفرنسيين يجب أن “يشعروا بأن أصواتهم مسموعة”، وتوقع البعض في دوائر ماكرون الإعلان عن ذلك في حوالي 20 أغسطس/آب.
إن أسماء الوزراء السابقين تُذكَر، سواء من اليمين، مثل كزافييه بيرتران وميشيل بارنييه وجان لوي بورلو، أو من اليسار المعتدل، مثل برنار كازنوف. ولكن في حين تتعامل العديد من الدول الديمقراطية الأوروبية مع ائتلافات برلمانية هشة منذ عقود، فإن فرنسا لم تنجح قط في القيام بذلك. وبالتالي، يتعين على رئيس الوزراء القادم أن يتمتع بمكانة أخلاقية وخبرة سياسية، من أجل الاضطلاع بمهمة تجميع فريق متماسك وإبرام “اتفاقية حكومية” من شأنها أن تقنع أغلبية النواب في الجمعية الوطنية، حتى في كل ملف على حدة.
تمكن ماكرون من الخروج لفترة وجيزة من المأزق السياسي الكبير الذي تسبب فيه بحل الجمعية الوطنية، لكن المراقبين يعتقدون أنه سيضطر قريبا إلى مواجهة الواقع المرير الذي نتج عن أسوأ قرار اتخذه خلال ولايتيه الرئاسيتين.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر