مصر

"النبي" كان عظيم الأمل فلم ييأس وواسع الرجاء فلم يقنط وقوي العزيمة فلم يجزع

وألقى الدكتور محمود الهواري الأمين المساعد للوعظ والإعلام خطبة الجمعة بالمسجد، قال فيها إنه كلما ظهر هلال الربيع تسابق الدعاة والدعاة والكتاب إلى مولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبون منه الأنوار والأسرار والتنوير، وهم على حق، فمولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ميلاد أمة، وتنوير حضارة، وصناعة إنسانية، وإحياء للقيم والأخلاق.

 

وأضاف أنه صلى الله عليه وسلم كان كثير الأمل فلا ييأس، كثير الأمل فلا ييأس، كثير العزم فلا يجزع، فحاجة الأمل في ظل الواقع المرير، وكم يحتاج الناس إلى الأمل في ظل المرارة التي يعانونها يوما بعد يوم من المشاكل الداخلية والخارجية التي حلت بالأمة، تلك العبادة القلبية التي لا يدرك معناها إلا القليلون فيعملون بها، ليعيشوا على معنى انتظار الخير من الله. وأضاف الحواري أن الأمل يتمثل في اعتقاد الإنسان أن مع العسر يسرا، وبعد الكسر شفاء، وبعد الضعف قوة، وبعد المرض عافية، وبعد المرض شفاء، وبعد الشدة فرج، وبعد الكرب رحابة، وبعد الدنيا وما فيها جنة عرضها السماوات والأرض. وأوضح أن فئة من الناس يعيشون في يأس وقنوط وإحباط، كما يعيشون في قلق وضلال واضطراب وخوف وهلع. لقد نسي هؤلاء أن الأمل والتفاؤل أبواب واسعة، ويصدق المثل: قل لمن امتلأ قلبه بالتشاؤم.. وضيق الأفق من حولنا، إن سر السعادة هو حسن الظن بالذي.. خلق الحياة وقسم الأرزاق.

وأوضح مساعد الوزير أن اليأس هو انقطاع الإيمان بين العباد وربهم؛ ولذلك فلا عجب أن يذكر القرآن اليأس والكفر في نفس السياق، وما أروع ما قاله يعقوب لبنيه: (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون). ومن ناحية أخرى نجد الإيمان والأمل متشابكين، فالمؤمن أكثر الناس أملاً، وأكثرهم تفاؤلاً، وأبعدهم عن التشاؤم والجزع والضجر. الإيمان يعني الإيمان بقوة عليا تدير هذا الكون، لا يخفى عليها شيء، ولا يعجزها شيء، الإيمان بقدرة غير محدودة، ورحمة لا متناهية، وكرم لا محدود، الإيمان بإله قوي رحيم، يجيب المضطر إذا دعاه، ويرفع السوء، ويعطي بكثرة، ويغفر الذنوب، ويقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، إله أرحم بعباده من الأم بولدها. إله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، إله يفرح بتوبة عبده أكثر من فرح الضال إذا وجده، أو الغائب إذا زاره، أو الظمآن إذا عاد، إله يجازي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف أو أكثر، ويجازي السيئة بمثلها أو العفو، مبيناً أن حياة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت رحلة أمل، وكأنه يقدم لنا بهذه الحياة الشريفة النموذج الأمثل لكل فرد أو مجتمع أو أمة مبتلى. وتابع: عاش النبي في مكة ثلاثة عشر عاماً يدعو قومه إلى الإسلام، لكنهم قابلوا دعوته بالسخرية، وقرآنه بالازدراء، وآياته بالإنكار، وأصحابه بالأذى والتعذيب. لم يلين عزمه، ولم يضعف الأمل في صدره، فجاءه خباب بن الأرت، وقد ضاق ذرعاً بعذاب سيدته التي كانت تحرق ظهره بالنار، فقال: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ وكأنه يسارع إلى حسم الموقف بين الإيمان والشرك بدعوة تهز أركان العرش، فينزل الله غضبه على القوم المجرمين. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم صاحبه درساً في الصبر على البلاء والرجاء في الله، ويصور لهم الشدة التي بعدها الفرج، والكرب الذي بعدها اليسر، والألم الذي بعدها العافية، والألم الذي بعدها الرجاء، فيقول: (لقد كان الرجل فيمن كان قبلكم يحفر له في الأرض، فيوضع فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق نصفين، فلا يصده ذلك عن دينه، ويمشط بالأمشاط)، (إن الحديد ليس بلحم ولا عظم ولا عصب، ولا يصده ذلك عن دينه، والله ليتمنن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف على غنمه إلا الله أو الذئب، ولكنكم تستعجلون). وبعد الفترة المكية يخرج من مكة مهاجراً، ويتخذ التدابير اللازمة، فيعد الطريق والدليل، والطعام ومن يحمله، والخبر ومن يأتي به، والمستقر ومن يستقبله. ومع ذلك فإن كفار قريش وصلوا إلى فم الغار، حتى قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا. وهناك يخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمل ليطمئن القلب القلق، قائلاً: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين ثالثهما الله؟ لا تحزن إن الله معنا.

وأشار الحواري إلى أنه عندما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وبدأ صراعاً مريراً مع طواغيت الشرك وأعوان الضلال، حتى جاءت معركة الأحزاب، وتجمع الشرك الوثني بكل أدواته، وخيانة اليهود بكل تاريخها الدموي، وأحاطت المؤامرة بالمسلمين من الداخل والخارج، وصار الأمر صعباً على الرسول وأصحابه، حتى صوره القرآن بقوله: (إِذْ جَاءُوْكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلٍ مِنْكُمْ وَإِذْ زَالَتْ الأَبْصَارُ وَبَلْغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرُ وَظَنَنْتُمْ بِاللَّهِ)[various]*هناك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً) (الأحزاب: 10، 11). وفي هذه الساعات المرعبة التي يذبل فيها غصن الأمل ويذبل شعاع الأمل، يخبر النبي أصحابه عن الغد المأمول والمستقبل المنشود، وهم يحفرون الخندق حول المدينة؛ لصد الغزاة وصد الطغاة، ظهرت لهم صخرة لا تخترقها المعاول، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ المعاول وقال: بسم الله، وضرب ضربة فكسر ثلثها، وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمراء الآن، ثم ضرب ضربة ثانية فكسر الثلث الآخر وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض، ثم ضرب ثالثة وقال: بسم الله، وكسر بقية الصخرة وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من حيث أنا الآن، أتساءل هل يفهم هؤلاء الذين يتمسكون بأذيال المادية الصارخة ويصافحون قدرة الله وعظمته معنى الرجاء في الله؟ فهل يدرك هؤلاء الغارقون في تشاؤمهم ويأسهم من فرج قريب لهذه الأمة هذا المعنى؟ واختتم مساعد الوزير بالتأكيد على أن المجتمعات المفعمة بالأمل هي المجتمعات القادرة على تحقيق احتياجاتها بالجهد والعمل، وأن الأوطان التي ينتشر فيها اليأس هي المجتمعات المقيدة التي لا تتقدم ولا تتقدم. ولعل الله يجعل لنا من ليلنا المظلم أنوار فجر مشرق يبدد الظلمة ويحقق الأهداف، فالأمل خلق نبوي وواجب ديني وحاجة مجتمعية، ومن تخلى عنه تخلى عن الحياة، فما طعم الحياة إذا كانت بلا أمل؟ وما لذة الدنيا إذا كانت الحياة بلا أمل؟ إن أهل الأمل هم أهل الإيمان الذين يتمسكون بالله اللطيف الرحيم القادر الكريم الغفور المحب، الذين ينظرون إلى الحياة بوجه ضاحك ويستقبلون أحداثها بوجه ضاحك لا بوجه عابس كئيب.

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى