أخبار العالممال و أعمال

بوتين يقدم خطة لتحطيم هيمنة الدولار في قمة البريكس

القاهرة: هاني كمال الدين  

في خطوة من شأنها أن تُعيد تشكيل النظام المالي العالمي وتُهدد هيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي، يستعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتقديم خطة شاملة في قمة البريكس المقبلة في مدينة قازان. هذه الخطة، التي أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الدولية، تهدف إلى إنهاء الهيمنة طويلة الأمد للدولار الأمريكي كنظام احتياطي عالمي واستبداله بنظام جديد يتماشى مع التغيرات العالمية الحالية ويعزز الاستقلال المالي للدول الأعضاء في مجموعة البريكس.

وفقًا لتقرير نشرته مجلة “The Economist”، يُخطط بوتين لطرح هذه الخطة أمام زعماء دول البريكس، بهدف إنشاء نظام مالي جديد يتمحور حول إضعاف السيطرة الأمريكية على النظام المالي العالمي. هذه المبادرة، التي وصفها الخبراء بأنها جريئة، تستند إلى تصميم نظام دفع عالمي بديل عن النظام الحالي المرتبط بالدولار، يُمكّن دول البريكس والدول المتحالفة معها من تجاوز العقوبات المالية التي تفرضها الولايات المتحدة والغرب.

تأثير الهيمنة الأمريكية على النظام المالي

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحظى الولايات المتحدة بمكانة مركزية في النظام المالي العالمي، إذ يعتبر الدولار العملة الاحتياطية الرئيسية التي تعتمد عليها معظم الدول في تجارتها الدولية ومعاملاتها المالية. من خلال نظام المقاصة المصرفية العالمي، تتم جميع المعاملات المالية الكبرى عبر البنوك الأمريكية أو من خلال الوصول إلى النظام المصرفي الأمريكي، وهو ما يُعزز الهيمنة الأمريكية ويجعل أي دولة تتعامل بالدولار عرضة لتأثيرات السياسة الأمريكية.

لكن مع تصاعد التوترات السياسية والاقتصادية بين الولايات المتحدة وروسيا، سعى بوتين وحلفاؤه في البريكس إلى البحث عن بدائل تقلل من الاعتماد على الدولار الأمريكي، وخصوصًا بعد العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن على موسكو بسبب الأحداث الجيوسياسية. بوتين يرى في هذه العقوبات دافعًا لتسريع عملية الفطام عن الدولار، وهي خطوة يأمل أن تساهم في تحصين الاقتصاد الروسي ضد التدخلات الخارجية.

النظام المالي البديل

بحسب ما ورد في تقرير “The Economist”، تتمحور الخطة الروسية حول إنشاء نظام مالي بديل يستند إلى العملات الوطنية أو العملات الرقمية المدعومة بالعملات الوطنية، وهو نظام سيتيح للبنوك المركزية في دول البريكس القيام بالمعاملات المالية عبر الحدود دون الحاجة إلى المرور بالنظام المصرفي الأمريكي أو الاعتماد على الدولار. هذا من شأنه تقليل التكاليف المالية التي تتحملها الدول عند التعامل مع الدولار، ويجعل المعاملات أسرع وأكثر كفاءة.

لإيضاح الفكرة بشكل أفضل، يُشبه التقرير الحالي النظام المالي العالمي برحلات الطيران الطويلة، حيث يحتاج الركاب إلى الانتقال عبر مطارات وسيطة إذا لم تكن هناك رحلات مباشرة بين النقاط. وفي السياق المالي، تعمل الولايات المتحدة كمحور رئيسي، حيث تمر معظم المعاملات المالية الدولية عبر البنوك الأمريكية. ولكن الخطة الروسية تقترح نظامًا بديلًا يتجنب هذا المحور ويتيح للدول التعامل مباشرة مع بعضها البعض.

الآثار المترتبة على الاقتصاد العالمي

من المتوقع أن يوفر النظام المالي المقترح لدول البريكس، وخاصة الدول النامية والدول في “الجنوب العالمي”، بديلاً فعالاً من حيث التكلفة والوقت لإجراء المعاملات المالية الدولية. هذا النظام لن يُحسن فقط من سرعة وكفاءة المعاملات، بل سيزيد أيضًا من الاستقلال المالي لهذه الدول، مما يقلل من تعرضها لتقلبات الأسواق الدولية والعقوبات الاقتصادية المفروضة من القوى الغربية.

في حين أن هذا التوجه قد يُشكل فرصة لدول البريكس لتحقيق نمو اقتصادي أكثر استقلالية، إلا أنه أثار مخاوف في الغرب، وخصوصًا في الولايات المتحدة، التي تخشى من أن يؤدي هذا النظام إلى تجاوز العقوبات الاقتصادية المفروضة على بعض الدول وتقويض النظام المالي العالمي الذي تسيطر عليه منذ عقود. بحسب “The Economist”، فإن الهيمنة الأمريكية على النظام المالي العالمي كانت أحد الأسس الرئيسية التي حافظت على النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، وأن أي محاولة لتقويض هذه الهيمنة قد تُهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي.

تشير البيانات إلى أن الاحتياطيات الوطنية العالمية بالدولار انخفضت بشكل ملحوظ خلال العقود الماضية، حيث تراجعت من حوالي 70% إلى 58%، وهو مؤشر على أن النظام المالي العالمي قد بدأ فعليًا في الابتعاد عن الدولار ببطء، مما يمهد الطريق أمام مبادرات مثل خطة بوتين لإحداث تغيير أكبر.

التحولات في الاقتصاد الروسي

في خطاب سابق له في سبتمبر، أكد بوتين أن روسيا قد بدأت بالفعل في تقليل اعتمادها على الدولار في تعاملاتها التجارية الدولية. وأشار إلى أن روسيا تُجري الآن معاملاتها التجارية مع عدد متزايد من الدول باستخدام العملات الوطنية بدلاً من الدولار. هذه الخطوة جاءت ردًا مباشرًا على العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، والتي، بحسب بوتين، تهدف إلى خنق الاقتصاد الروسي.

بوتين لم يتوقف عند هذا الحد، بل ذهب إلى القول إن الولايات المتحدة بسياساتها الحالية تُلحق الأذى بنفسها وباقتصادها. ووصف السياسة الأمريكية بأنها “تدمير ذاتي”، حيث قال إن الولايات المتحدة “تقطع الغصن الذي تجلس عليه”، في إشارة إلى أن الولايات المتحدة، من خلال فرض العقوبات واستخدام الدولار كأداة سياسية، تدمر الثقة العالمية في الدولار، مما سيؤدي في النهاية إلى انهيار النظام الاقتصادي الذي يعتمد عليه.

آثار الانقسام بين الشرق والغرب

تُظهر تصريحات بوتين الأخيرة مدى الإحباط الروسي من السياسات الغربية التي تعتبرها موسكو تهديدًا مباشرًا لاستقلالها الاقتصادي والسياسي. إذ يرى بوتين أن التحالفات الاقتصادية الجديدة، مثل البريكس، تُشكل فرصة لخلق نظام عالمي جديد، يكون فيه للجنوب العالمي دور أكبر وتأثير أكبر في القرارات الاقتصادية والسياسية العالمية.

هذا الاتجاه نحو إنشاء نظام مالي بديل يعكس تحولًا أكبر في العلاقات الدولية، حيث تتزايد الرغبة لدى عدد من الدول في “الجنوب العالمي” في التخلص من الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي. بل أن هذه الدول بدأت ترى في البريكس، بقيادة روسيا والصين، منصة لتطوير نظام اقتصادي عالمي جديد أكثر عدالة.

ردود الفعل الدولية

من المتوقع أن تثير هذه الخطوة الروسية ردود فعل واسعة النطاق من الغرب، وخصوصًا من الولايات المتحدة، التي كانت تستفيد لعقود من مركزية الدولار في النظام المالي العالمي. تشير بعض التقديرات إلى أن أي محاولة لتقويض هيمنة الدولار قد تؤدي إلى توترات اقتصادية وسياسية كبيرة، خاصة إذا نجحت دول البريكس في جذب المزيد من الدول النامية إلى النظام المالي الجديد.

على الرغم من أن الخطة لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أن تبني البريكس لها قد يُحدث تحولًا كبيرًا في موازين القوى الاقتصادية العالمية. الدول الغربية ستواجه تحديًا كبيرًا في محاولة مواجهة هذا التحدي الجديد، إذ أن تراجع دور الدولار في النظام المالي العالمي قد يُضعف من قدرة الغرب على فرض عقوبات اقتصادية فعالة، ويقلل من نفوذه على الساحة الدولية.

مستقبل الاقتصاد العالمي

بغض النظر عن النتائج المحتملة لهذه الخطوة، فإنها تُظهر بوضوح أن النظام المالي العالمي يدخل مرحلة جديدة من التحولات. لم يعد الدولار هو العملة الوحيدة التي يعتمد عليها العالم، ومع تزايد التجارب بالعملات الرقمية والتكتلات الاقتصادية الجديدة، يبدو أن العالم يتجه نحو نظام مالي أكثر تنوعًا.

الخطة التي يُقدمها بوتين للبريكس قد تكون جزءًا من هذه التحولات، ولكنها بالتأكيد ليست الأخيرة. الأيام المقبلة قد تشهد المزيد من التطورات في هذا المجال، وستكون عيون العالم مركزة على قمة البريكس في قازان لمعرفة ما إذا كانت هذه المبادرة ستنجح في تغيير قواعد اللعبة المالية العالمية، أم أنها ستواجه تحديات كبيرة من الغرب.

 

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى