القاهرة: هاني كمال الدين
تتسارع التطورات السياسية في تركيا مع إعلان بعض الشخصيات البارزة عن آراء مثيرة للجدل بشأن مستقبل البلاد ودورها الإقليمي والدولي. أحد أبرز هؤلاء الشخصيات هو يوسف حلاچ أوغلو، الرئيس السابق للجمعية التركية للتاريخ، والمفكر والكاتب الذي اشتهر بأبحاثه حول القضية الأرمنية في تركيا. ويعرف حلاچ أوغلو بتقديمه لآراء قاسية في السياسة التركية، حيث وصفته صحيفة “جمهورييت” بأنه يطرح “تصريحات صادمة تتعلق بالمسائل التي يتحدث عنها السياسيون الأتراك ولكن نادراً ما يتم تناولها”.
في آخر تصريحاته، التي أدلى بها في برنامج “نظرة ثانية”، تطرق حلاچ أوغلو إلى مجموعة من القضايا السياسية الهامة التي تؤثر في مسار تركيا السياسي، مشيراً إلى مقترح مثير للجدل قدمه دولت بهجلي، رئيس حزب الحركة القومية، الذي يعد حليفاً مقرباً للرئيس رجب طيب أردوغان. يتعلق الاقتراح بإتاحة الفرصة لعبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK) الذي يقبع في السجن، لإلقاء كلمة في البرلمان التركي ودعوة جماعته إلى حل نفسها، وهو الأمر الذي أثار موجة من الاستغراب والدهشة داخل الأوساط السياسية التركية.
وأوضح بهجلي أن هذه الخطوة قد تساعد في تحرير أوجلان استناداً إلى المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تحظر السجن المؤبد وتشترط تحديد العقوبات بالسجن لفترات لا تتجاوز 25 عاماً. ووصف بهجلي هذه المبادرة بأنها “ستغير مجرى التاريخ وتكسر قيود تركيا”.
وكان بهجلي قد عارض في الماضي استئناف محادثات السلام بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية، التي كانت قد بدأت منذ عام 2012 وتوقفت في 2015. ولكن تصريحاته الأخيرة تشير إلى تحول في مواقف الدوائر السياسية التركية الأكثر قومية، التي باتت تستعد لمناقشة حل القضية الكردية عبر الحوار.
في المقابل، أكد أردوغان أن بهجلي قد اتفق مسبقاً على هذه المبادرة، بينما اعتبر حلاچ أوغلو أن التحالف الحاكم في تركيا يسعى إلى تغيير الدستور التركي من خلال التخلي عن النظام الرئاسي الموحد وتبني النظام الفيدرالي، وهو أمر يراه مرتبطاً بشكل وثيق مع محاولات أنقرة التقدم نحو عضوية الاتحاد الأوروبي.
النظام الفيدرالي وعضوية الاتحاد الأوروبي: هل يُعد شرطاً أساسياً؟
تشير بعض التحليلات إلى أن تغيير تركيا لنظامها السياسي إلى الفيدرالي قد يكون شرطاً أساسياً وضعته بروكسل لتحقيق اندماج كامل مع الاتحاد الأوروبي. إلا أن حلاچ أوغلو يذهب أبعد من ذلك في تفسيره للوضع الحالي، حيث يرى أن هذه الخطوات تأتي في سياق محاولة أردوغان إعادة تقييم اتفاقية سيفر الموقعة في عام 1920 مع دول التحالف، والتراجع عن اتفاقية لوزان التي وقعت في عام 1923، والتي وضعت أسس الحدود التركية الحالية وأدت إلى تأسيس جمهورية تركيا الحديثة.
يصر حلاچ أوغلو على أن هناك فرقاً شاسعاً بين الاتفاقيتين، مؤكداً أن اتفاقية سيفر كانت تهدف إلى تقسيم الإمبراطورية العثمانية وتشكيل دول كردية وأرمينية على حساب تركيا، بينما جاء اتفاق لوزان ليؤكد حدود الدولة التركية الجديدة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.
إعادة فتح ملف سيفر: هل تعني تركيا العودة إلى الماضي؟
من جهة أخرى، يثير تصريحات أردوغان حول سعي تركيا لمراجعة اتفاقية سيفر من جديد، تساؤلات حول نوايا الحكومة التركية في إعادة النظر في حدود الدولة ونظامها السياسي. فقد سبق أن صرح أردوغان في عدة مناسبات أنه لم يكن راضياً عن نتائج اتفاقية لوزان، معتبراً أن أولئك الذين وقعوا عليها فشلوا في الدفاع عن مصالح تركيا.
وفي هذا السياق، يرى بعض المحللين أن تركيا في عهد أردوغان قد تكون في طريقها لتغيير الخريطة الجيوسياسية في المنطقة، وأن هذا التوجه قد يكون مرتبطاً بما وصفه البعض بـ”حروب التحرير الجديدة”، في إشارة إلى محاولات إعادة تشكيل الحدود السياسية في المنطقة بعد قرن من الزمان على اتفاقيات ما بعد الحرب العالمية الأولى.
نظام الحكم الأمريكي أم الفيدرالية؟
وفي سياق آخر، أشار مصطفى شنتوب، رئيس لجنة التشريعات الدستورية في البرلمان التركي، إلى أن تركيا قد تسعى إلى تبني نظام حكم مشابه للنظام الأمريكي، مع بعض الاختلافات التي تتناسب مع الظروف التركية. هذه التصريحات تعكس انفتاح الحكومة على إعادة هيكلة النظام السياسي في تركيا في محاولة للتكيف مع التغيرات الإقليمية والدولية.
يبدو أن تركيا تمر بلحظة تاريخية فاصلة قد تساهم في إعادة تحديد هويتها السياسية والجيوسياسية في المستقبل القريب، في حين يبقى التحدي الأكبر هو إيجاد توازن بين الحفاظ على المبادئ الأساسية لجمهورية أتاتورك وبين متطلبات التغيير الداخلي والخارجي، بما في ذلك الطموح نحو العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر