العام الأول من دون نظام الأسد.. السوريون يستعيدون أسماءهم وبلادهم
“انتهى الكابوس، ولا أملك قدرة على الانتظار، لا أستطيع عيش هذه اللحظات خارج سوريا”، كانت هذه كلمات “مطر إسماعيل” ابن مدينة مصياف، جنوب غربي حماة، صباح يوم سقوط نظام بشار الأسد.
حَلُم مطر بالعودة إلى سوريا إثر خروج قسري منها، بعدما حاصرت قوات النظام السابق جنوبي دمشق، وطوّعت المنطقة بالحديد والنار، لكنه اليوم يسارع بالعودة إلى وطنه مع إعلان سقوط الأسد كآلاف السوريين، رغم غموض الرؤيا في الأيام الأولى لحدث سياسية بهذا الحجم.
وفي الوقت الذي اكتفى فيه سوريون بإعلان سقوط الأسد ليكون ذلك إيذانا للعودة، يبدي البعض تخوفا من الأوضاع الاقتصادية والدمار الكبير على مستوى البنية التحتية والحالة العمرانية، إلى جانب ضعف الوضع الخدمي في البلاد، فمن خدمات مقننة قبل 2011، إلى خدمات شبه منعدمة في الوقت الراهن، سيما في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام السابق، وكان المقيمون فيها يعيشون ضمن الحدود الدنيا لمتطلبات الحياة، إن وجدت أصلًا.
بالنسبة لمطر، سقوط الأسد كان كافياً للإحساس بالانتماء مجددا للوطن، هذا الوطن الذي بدا حقيقة لأول مرة منذ سنوات، غيّرت ملامحه فيها ضربات عسكرية وتوزيع البلاد على حلفاء الأسد وميليشياته وتحويلها إلى مناطق سيطرة ونفوذ وأرضية لأعلام ورايات مختلفة الألوان والتبعية، دون أن تتعدى هذه المشاعر حق الحياة وحق الوجود في الأرض وإمكانية العمل السياسي لسوريا، داخلها، لا عن بعد.
اسم مستعار
بعد يومين من سقوط الأسد تسلّم الشاب شهادة الماجستير في قسم دراسات الأفلام وحاز المرتبة الأولى في كلية العلوم الإنسانية والفن، بمعدل امتياز مع جائزة الإنجاز المتميز من جامعة مانشستر البريطانية، وجاءت تلك الشهادة بالاسم الحقيقي الصريح، لا الاسم المستعار الذي كان غطاء لأي نشاط سياسي أو فكري ضد حكم الأسد.
“جمال عبد الناصر العمر” الاسم الحقيقي لمطر إسماعيل، الذي تعايش مع اسم غير اسمه منذ خروجه الثاني من المعتقل عام 2012، تفادياً للمخاطر الأمنية ولحماية أسرته من بطش أجهزة المخابرات، إذ كان يتنقل بين دمشق وبيروت في بداية الثورة بسبب دراسته الجامعية في لبنان، فتعرض في تلك الفترة للاعتقال مرتين قبل إصابة حادة بضربات قوات النظام السابق على جنوب دمشق، ليعود في كانون الأول إلى مدينته مصياف، دون حاجة لاسم مستعار أو خوف من اعتقال أو فقد أو ابتزاز أمني.
عاش جمال حصار جنوبي دمشق مع ناشطين ومقاتلين أجبروا في نهاية المطاف على المغادرة في 2018، بعدما رفضوا الصلح مع نظام الأٍسد، فصعدوا الحافلات الخضراء نحو الشمال السوري، في مشاهد لا تمحى من الذاكرة الجمعية السورية، مع تحوّل تلك الحافلات لدلالة على التهجير، الذي حوّله سقوط الأسد لعودة متاحة وممكنة حين يشاء المواطن السوري.
ورغم المسارعة للتحليل والتكهن بمستقبل البلاد السياسي، واتجاه أطراف خارجية أحزنها سقوط الأسد، نحو بث مخاوف تتعلق بمستقبل سوريا، لكن تفاؤلًا واضحا يبديه السوريون حيال بلادهم، وبرأي جمال، فإن “إدارة العمليات العسكرية” تحمل خطابا وطنيا جامعا، مع آمال بترجمة هذه التصريحات والوعود إلى حقيقة ملموسة.
“اليوم يوم العمل من الداخل” يقول جمال، موضحا أنه مع كثير من زملائه العاملين في الصحافة وصناعة الأفلام سيحافظون على روح الملاحظة والنقد والمشاركة في الرقابة، آملا بالوصول إلى مستقبل أفضل وحرية تعبير ونقد الأخطاء والإشارة إليها دون خوف من عنف أو قمع أو تكميم للأفواه وبلا سياسة كاتم الصوت التي كان يمارسها الأسد.
عودة صريحة.. آمال بمستقبل أفضل
لم يكن جمال وحده من اضطر للتخفي خلف اسم وهوية مختلقة في محاولة لتقليل المخاطر خلال المشاركة في الحراك الثوري السوري، إذ اعتمد العديد من الناشطين والنشاطات أسماء مستعارة للنجاة من الأسد ونظامه، مع آمال بإمكانية التعبير والتمثيل السياسي والاتفاق أو الاختلاف لبناء سوريا المستقبل التي دفع شعبها في سبيل التحرر، فاتورة عالية، أرواحًا ومعتقلين ومختفين قسريًا وغارقين في البحر، وشعبا موزعا على الخيام، وملايين اللاجئين الضاربين في الأرض.
ومع عودة أكثر من 58 ألف سوري، أحصتهم مؤخرا المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تبقى التساؤلات حاضرة حول مسألة الاستقرار والأمن وانتشار السلاح المنفلت ومحاسبة المتورطين بارتكاب انتهاكات وجرائم بحق السوريين.
الباحث في مجال الاقتصاد السياسي والمحليات بمركز عمران، أحمد الدسوقي اعتبر أن مشاهد آلاف السوريين النازحين واللاجئين يعودون إلى مدنهم وبلداتهم عقب الإطاحة بالأسد وغياب الأجهزة الأمنية والعسكرية، يعزز مصداقية أن الشرط الأساسي لعودة اللاجئين هو الأمان ومن خلفه تأتي بقية الشروط الأخرى، وهو ما تحاول التأكيد عليه “الإدارة الجديدة في سوريا” لاستثماره لدى الدول المعنية بملف اللجوء.
ويضيف الدسوقي أن العائدين لا يخشون بعد الأن قصفاً بالطائرات والبراميل، ولا ملاحقات أمنية ولا سوقاً للخدمة الإلزامية، لكن ذلك لا يعني الاستقرار الكلي للأوضاع الأمنية، فما يزال هناك فوضى وظروف معقدة تتطلب وقتًا للتعامل معها، كما أن لاجئين ونازحين ضمن ظروف صعبة باتت العودة متاحة أمامهم، في حال كانت منازلهم بمنأى عن القصف والتدمير الذي غطى مدنًا وقرى وحواضر سورية أتى على كل شكل محتمل للحياة فيها.
وما بين عائدين، وآخرين يتريثون في قرارهم، العديد من الأمور التي يجب أخذها بعين الاعتبار، كقضية إعادة الإعمار، ورفع العقوبات التي تعيق أصلًا إعادة الإعمار، ودعم القطاعات الخدمية والتعليم والصحة والنشاط الاقتصادي والتجاري، وهي ملفات كبيرة منوطة بالإدارة الجديدة، والتعامل الجيد مع هذه الملفات من شأنه استقطاب السوريين من الخارج، إلى وطنهم، سيما بعد الخبرات والإمكانات التي طورها السوريون في دول اللجوء، وهي التي ستشكل إسهامًا فارقًا في الوصول إلى سوريا جديدة معافاة، بالصورة التي ينشدها أبناؤها.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر