منوعات

بيربوك وبارو.. سلسلة أخطاء كارثية لا تليقان برأس هرم الدبلوماسية الأوروبية

 

في خضم الزيارات الدبلوماسية الكثيفة التي تشهدها العاصمة السورية دمشق بعد سقوط نظام الأسد البائد، جاءت زيارة وزيري خارجية ألمانيا وفرنسا التي أثارت كثيراً من اللغط، هذه الزيارة الاستثنائية لأهم وزيري خارجية في الاتحاد الأوروبي العتيد حملت في طياتها كثيراً من المشاعر المختلطة لدى السوريين، خاصة أن الاتحاد الأوروبي وفي مقدمته ألمانيا وفرنسا هي من أكثر الدولة التي استقبلت اللاجئين السوريين خلال محنتهم الكبرى، ولا يمكن لأي إدارة سورية قادمة أن تتجاوز ما قدمته دول الاتحاد الأوروبي في احتضان اللاجئين عند الحديث عن مستقبل العلاقات السورية الأوروبية.

ورغم كل هذه المشاعر النبيلة التي يكنها الشعب السوري لدول الاتحاد الأوروبي إلى أن ما قام به الوزيران منذ اللحظة التي وطأت قدماهما الأرض السورية، خلق حالة من المشاعر المتناقضة بسبب سلسلة التصرفات والتصريحات التي لا يمكن قبولها من قبل أي مواطن سوري تحت أي بند كان، أول هذه التصرفات كان مشهد الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك وهي ترتدي بدلة واقية للرصاص لحظة وصولها إلى المطار ما فتح باب النقاش واسعا أمام الرسالة التي أرادت إيصالها بهذه الخطوة.

لم تنته الأمور عند هذا الحد فمن البروتوكولات المتبعة في كل دول العالم هي أن يكون النشاط الأول لأي بعثة دبلوماسية هي اللقاء بنظرائهم أو مسؤولين كبار في الدول التي تتم زيارتها، وبعد ذلك يمكن أن يقوما بزيارات أخرى ضمن جدول الأعمال المتفق عليه، لكن ما حصل كان لا يقل غرابة إن لم نقل سوءا عن ارتداء البدلة الواقية للرصاص فقد بدأ الوزير الفرنسي جان نويل بارو بلقاء الزعماء الروحيين للطوائف المسيحية في سوريا، كما قام الوزيران بزيارة سجن صيدنايا والتقيا ببعض منظمات المجتمع المدني السوري، في رسالة تحمل في طياتها كثيراً من الفوقية والوصاية على الشعب السوري المكلوم من دون أي إحساس بالمسؤولية الأخلاقية على أقل تقدير للشعب السوري الذي مازال يلملم جراحه بعد المقتلة الكبرى التي استمرت لأكثر من 13 عاما.

وقبل الانتقال إلى التصريحات الصحفية التي أعقبت اللقاء مع قادة الإدارة السورية الجديدة، لنقف قليلا عند لباس الوزيرة الألمانية وطريقة سلام الوزير الفرنسي، لن آتي بجديد إذا قلت إن اللباس هو حرية شخصية ولم يصدر من الإدارة أي اعتراض على اللباس لكن كما هو متعارف عليه في جميع دول العالم بأن هناك لباساً رسمياً للقاءات الرسمية وهو معمول به في كل دول العالم وهو جزء من الاحترام المتبادل حتى بين عوام الناس بكل بقاع الدنيا، لكن ما قامت به الوزيرة الألمانية من خلال دخولها بلباس غير رسمي هو رسالة أخرى معتقدة أنها ستقوم بإحراج الإدارة السورية الجديدة متناسية أو ربما لجهل شخصي أو حكومي ألماني للأسف بأن حرية اللباس في سوريا قديمة جدا، ومجرد التجول بأي مدينة في سوريا وفي كثير من الأرياف السورية سيكتشف أن لباس الوزيرة الألمانية هو شيء طبيعي في شوارع وأسواق معظم المدن السورية، لكن لن تجد الوزيرة الألمانية هذا اللباس في كل أروقة الخارجية الألمانية أو أي مؤسسة حكومية ألمانية أو أي بلد أوروبي أو متحضر من يرتدي هكذا لباس في مقابلة رسمية لأنه يحمل رسالة فيها كثير من قلة الاحترام واللباقة تجاه هذه المؤسسات الرصينة، بالمقابل كان موقف الوزير الفرنسي لا يقل غرابة بطريقة سلامه على القائد العام أحمد الشرع وكأنه نسي فجأة كيف يكون السلام الرسمي، طبعا سيخرج أحدهم ويقول إن الإرباك الأساسي سببه عدم مصافحة الوزيرة الألمانية ولكن هذا الكلام مردود على صاحبه لأن كثيراً من الزعماء والمسؤولين من ثقافات عالمية مختلفة ترفض المصافحة رغم عدم قبولي الشخصي بها لكنه بروتوكول يكون متفق عليه مسبقا وهو ما أكدته الوزيرة الألمانية بنفسها لكن السؤال الأساسي موجه للوزير الفرنسي هل نسي فجأة بروتوكول المصافحات؟

نأتي الآن إلى التصريحات التي أعقبت اللقاء والتي لا يمكنني وصفها إلا بالكارثية والمسيئة وغير اللائقة لدولتين يبدو أن من يمثل رأس الدبلوماسية فيهما أقل بكثير من أن يمثل دولتين عريقتين كألمانيا وفرنسا، بداية من دعوة الوزيرة الألمانية إلى إشراك كل الفئات والطوائف مثل النساء والأكراد في العملية الانتقالية في البلاد إذا أرادت دمشق الحصول على الدعم الأوروبي، لكنها أكدت بأنها لن تمول هياكل إسلامية جديدة، هذا التصريح لا أعرف من أين يجب الرد عليه فهو عبارة عن مغالطات وأخطاء وعجرفة يرقى لأن يكون غباءاً سياسياً لا يتفوه به أي مبتدأ في علم السياسة الدولية ويحمل في طياته مجموعة أوهام بأن ألمانيا هي دولة عظمى وتملي على الآخرين تصورات وزيرة خارجيتها الخاطئة والمتعجرفة والتي لا يمكن تفسيرها إلا في إطار نظام وصاية على فئات من الشعب السوري تحت بند الحماية الذي دفع السوريون ثمنه أكثر من مليون قتيل وملايين المهجرين للانتقال من نظام حماية الأقليات والوصاية إلى نظام دولة المواطنة المتساوية لجميع السوريين، فهل يكفي استنكار المجازر خلال زيارة سجن صيدنايا للعودة مجددا لهذه الوصاية تحت بند حماية فئات من المجتمع السوري، كما أن تلويح الوزيرة الألمانية بسلاح التمويل لا يقل جهلا ودونية عن باقي الأخطاء الأخرى فالشعب السوري الذي رفع شعار الكرامة منذ أول يوم في ثورته وصبر في المخيمات وبلدان اللجوء وتحمل كل أنواع الفقر والمآسي لن يعجز عن الصبر مجددا خلال الفترة القادمة خاصة أنه يدرك بأنه شعب حي ويمكنه الاعتماد على نفسه ومحاط بدول شقيقة وصديقة لن تتوانى عن دعمه بما يخدم مصالحه ومصالح الدولة الشقيقة والصديقة التي تقف إلى جانبه.

أما ما يخص الحديث عن قوات سوريا الديمقراطية فكذلك الأمر وقعت مجددا في تصوراتها غير المبنية على وقائع علمية، وكأن خارجية أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي تفتقر إلى أبسط مركز دراسات يشرح للسيدة الوزيرة طبيعة البنية الديموغرافية لشرقي سوريا، وأن جهاز الاستخبارات الألماني نسي أيضاً أن يزود السيدة الوزيرة بأسماء الإرهابيين في جبال قنديل الذين يختطفون قرار الشعب السوري بعربه وكرده في شرقي سوريا.

الوزير الفرنسي الذي كانت تصريحاته أكثر وعيا إلا أنه لا بد من تذكيره أيضا بأن الدولة السورية هي الضامن الأول والأخير لأي جهة في سوريا والاستمرار بأوهام حماية فرنسا للمسيحيين الشرقيين هي أسطوانة مشروخة ستسيئ لاحترام فرنسا القرن الواحد والعشرين بعيون المسيحيين السوريين قبل مسلميهم.

ختاما ستكون المرحلة القادمة في سوريا مفتوحة على العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والفكرية الجديدة، وسيقع كثير ممن يحاول التعاطي مع الشأن السوري دوليا وإقليميا بكثير من التصورات الخاطئة عن سوريا الجديدة، لذا بات لزاما على أي جهة كانت أو شخصية اعتبارية الخروج من التصورات السابقة عن سوريا ما قبل الثامن من كانون الأول ودراسة الواقع السوري بطريقة مختلفة مبنية على ديناميكية وآلية تفكير أكثر عمقا من الآلية السابقة التي اختزلت عراقة الشعب السوري والدولة السورية بعائلة مجرمة وشاذة عن الثقافة السورية الحقيقية كعائلة الأسد.

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى