أخبار العالم

من الثورة إلى بناء الدولة.. هل ينجو أحمد الشرع من النقد؟

 

بعد مرور 40 يوماً على هروب بشار الأسد، ودخول البلاد مرحلة جديدة، تُطرح على قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع أسئلة أساسيةً مهمةً جداً، بالنسبة لفئاتٍ سوريةٍ واسعةٍ، ولاسيما بعد إعلانه أن زمن الثورة قد انتهى ليبدأ زمن بناء الدولة.

غالبيةَ المؤيدين للسلطة الجديدة، وربما بسبب نشوةِ الانتصارِ المديدةِ، لا يُميزون بين نقدِ الثورةِ ونقدِ مسارِ بناء الدولة، ويعتبرون أن أيَّ نقدٍ موجَّهٍ للسلطة الجديدة هو نقدٌ للمنتصرين، مبنيٌّ على كراهيةٍ مسبقةٍ تجاه الصورةِ النمطيةِ للجهاديين الإسلاميين. ما يؤدي في المحصلة إلى تخويفِ المنتقدين وحشرِهم في زاويةِ اتهامٍ مسبقٍ بأنهم “فلولٌ” للنظامِ البائدِ أو أيتامُه!

لا يرى المدافعون عن السلطةِ الجديدةِ بعجرها وبجرها السياقَ التعدديَّ للآخرين، بل يعتبرونهم طرفاً متحداً ضدَّ هيئةِ تحريرِ الشام. بينما يشير واقعُ الحالِ إلى وجودِ نقاطٍ أو بؤرٍ خلافيةٍ كثيرةٍ بين من يحكمون الآن دون سندٍ قانونيٍّ أو دستوريٍّ، وبين تياراتٍ معارضةٍ أخرى، كانت لها أدوارها في مواجهة نظام الاستبداد المندحر.

المشكلة الآن ليست في هذا الجدال، فهو محصلةٌ لواقعٍ تختفي فيه توضيحاتُ السلطة بشأنِ ما تعتقده وما تنوي فعلَه. كما أنه نتاجٌ لفترةٍ طويلةٍ من غيابِ مفهومِ القانونِ في أذهانِ كثيرٍ ممن يحملون السلاح، فيعالجون القضايا التي تؤرقهم، وفقَ نزعاتِهم الشخصيةِ بدلاً من الاحتكامِ إلى العدالة.

الثابت في المعادلةِ المفروضةِ على السوريين حالياً هو أن هناك وقتاً لا بد أن يمر، طالما أن الجهودَ تُكرَّس لترسيخِ الأمنِ، ونزعِ السلاحِ المنفلتِ، وحلِّ الفصائلِ المسلحةِ، وإعادةِ سيطرةِ الدولةِ على كلِّ أدواتِ العنف.

ومع ذلك، هناك عنفٌ آخرُ يتعرض له الجميع، ويتمثل في الحديثِ عن انتهاكاتٍ كثيرةٍ تحدث على الأرض. والعنفُ هنا لا يقتصر على حيثياتِ الانتهاكاتِ ذاتها، بل يشمل انعكاساتِها على عقولِ السوريين الذين كانوا وما زالوا يأملون تجاوزَ المنعطفِ الحادِّ بأقلِّ الخسائر.

إلى جانبِ ذلك، هناك فئاتٌ مجتمعيةٌ دينيةٌ وطائفيةٌ تكتفي بموقعِ المتلقي وتُظهر خوفَها، ولا يبدو أنها ترغب في اتخاذِ مواقفَ قد تؤدي لاحقاً إلى تعرضها لسياساتٍ قمعيةٍ. هذه الفئاتُ تُحدث تشويشاً كبيراً في المشهدِ، إذ تضع هواجسَها في مقدمته، مما يبدد الجهودَ المبذولةَ لإصلاحِ الحياةِ السوريةِ، ويترك فراغاً نتيجةَ تأخرِ تلبيةِ مطالبِها بالسرعةِ المطلوبة.

ارتفعت أصواتُ منتقدةُ بشدةٍ، تركز على طريقةِ عملِ الإدارةِ الجديدةِ في مسارِ بناء الدولة، بعد أن طوت الإدارةُ نفسها مسارَ الثورة.

ما جرى خلال الفترةِ الماضيةِ، ورغم الاحتفالِ العامِّ برحيلِ نظامِ البراميلِ، أحدث رضوضاً نفسيةً لدى شرائحَ من الجمهور. وقد ارتفعت أصواتُ منتقدةُ بشدةٍ، تركز على طريقةِ عملِ الإدارةِ الجديدةِ في مسارِ بناء الدولة، بعد أن طوت الإدارةُ نفسها مسارَ الثورة.

وفي هذا السياقِ، يبدو من غيرِ المنطقيِّ الدفاعُ عن أحمد الشرع ومن معه، استناداً إلى المرجعيةِ الثورية، مع تجاهلِ حقيقةِ أن استحقاقاتِ الواقعِ الحاليِّ تتطلب معالجةَ المشاكلِ المتراكمة، بدلاً من التمسكِ بالشعاراتِ الرنانةِ أو الأغنياتِ الثوريةِ في الاحتفالات.

بل إن أهم ما يمكن له أن يساهم في توجيهها نحو الأفضل، إنما هو النقد اليومي لأداء من تم تكليفهم بالعمل، على حل المشاكل المتراكمة، كما أن التذكير الدائم بالخطوات المتوقعة، لإدارة المرحلة الانتقالية، كتسليمِ شؤونِ تصريفِ الأعمالِ لفئاتٍ تكنوقراطيةٍ، والشروعِ في الحوارِ مع القوى السياسيةِ والمدنيةِ، وانعقادِ المؤتمرِ الوطنيِّ لتحديدِ شكلِ الدولةِ السوريةِ المستقبلية. هذا التذكيرُ لا يعني فرضَ اشتراطاتٍ قسريةٍ على السلطة، بل يُعد استجابةً لقرارِها بالمضيِّ نحو بناءِ الدولةِ، وتأكيدًا من المجتمعِ على مبدأ التشاركيةِ في صنعِ المستقبل.

كلُّ ما سبق قد يبدو طبيعياً، لولا الخلفيةُ الدمويةُ التي خلفتها جرائمُ نظامِ الأسدِ بحقِّ السوريين.

هذه الخلفيةُ تفرض على الجميعِ ضرورةَ مناقشةِ مسار العدالةِ الانتقاليةِ، وما تستلزمه من محاسبةِ كلِّ من شارك مادياً أو معنوياً في الجرائمِ ضدَّ الشعب.

في هذا السياقِ، يظهر خلافٌ مع جمهورٍ واسعٍ من الثوار، الذين كانوا يأملون أن تبدأ السلطةُ الجديدةُ فورَ سيطرتها بآلياتِ المحاسبةِ، وتطهيرِ المؤسساتِ من مؤيدي الأسد، لا سيما الذين ساهموا في تنفيذِ السياسةِ الأمنيةِ الدمويةِ ضدَّ المعارضين. كما أن غيابَ الخطابِ المباشرِ تجاه أهالي الضحايا عزز فرضيةَ وجودِ عقليةٍ إداريةٍ لا ترى حاجةً ملحةً لمقاربةِ هذه المطالب.

من غير المنصف أن يتم قذف كلّ هذه القضايا في وجه إدارة الشرع ومطالبتها بالاستجابة لها، بينما هي تعمل من أجل قضايا كبيرةٍ جداً كلمّ السلاح وإنهاء الفصائلية، بالإضافة إلى تصحيحِ الوضعِ الداخلي واستعادة الدولة لمواردِ السوريين من نفطٍ وغاز، وتأمين المال لخزينة الدولة التي أفرغها بشار الأسد قبل هروبه

لكن، مهلاً، وقبل أن تذهبَ الكلماتُ هنا في اتجاهٍ واحد، أليس من غير المنصف أن يتم قذف كلّ هذه القضايا في وجه إدارة الشرع ومطالبتها بالاستجابة لها، بينما هي تعمل من أجل قضايا كبيرةٍ جداً كلمّ السلاح وإنهاء الفصائلية كما مرَّ معنا سابقاً، بالإضافة إلى تصحيحِ الوضعِ الداخلي عبر فرض سلطةِ الدولة على كافة أراضي الجمهورية العربية السورية، واستعادة الدولة لمواردِ السوريين من نفطٍ وغاز، وتأمين المال لخزينة الدولة التي أفرغها بشار الأسد قبل هروبه، وكذلك بناءِ علاقاتٍ عربيةٍ وإقليميةٍ ودوليةٍ على أسسٍ تراعي مصالح الوطن، وتدفع باتجاه إنهاء التوغلات الإسرائيلية شرق خطّ وقف إطلاق النار في الجولان، والعودة إلى أساسيات اتفاقية عام 1974؟

الإجابةُ على هذا السؤال تحتاج إلى نبضٍ عمليٍّ، يشرعُ في تغيير حال الإدارة من وضعية المتملكِ للقرار وفق انتصارٍ جاء كمحصلةٍ لسياق ثورةٍ مديدةٍ، إلى وضعية صانعِ التغيير وفقَ مبدأ التشاركية. فكما نشاهدُ جحافلَ الشباب السوريِّ وهم يقومون بأعمالٍ تطوعيةٍ تهدفُ إلى تحسين شروط حياة السوريين، يمكنُ تصور وجود ورشةٍ سياسيةٍ عملاقةٍ، تمسكُ فيها إراداتُ الجميع بجسد العربة وهي تعبرُ المنعطفَ، كي لا تدفعها القوةُ النابذةُ بعيداً وتتحطم!

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Open chat
Scan the code
مرحبا...
كيف يمكنا مساعدتك؟