التعليم بعد التحرير.. بداية جديدة للطلاب السوريين المنقطعين

بعد حرب استمرت ثلاثة عشر عاماً وأثّرت على كل جوانب الحياة في سوريا، جاء سقوط النظام المخلوع كبداية لحقبة جديدة مليئة بالأمل والتطلعات.
تعيش سوريا اليوم مرحلة إعادة بناء شاملة لا تقتصر فقط على البنية التحتية، بل تمتد إلى إعادة بناء الإنسان والمجتمع، ومن أهم جوانب هذا البناء، إعادة الحياة إلى مسار التعليم الذي تعثّر لسنوات طويلة بسبب الحرب والظروف القاسية التي عايشها السوريون.
معاناة الطلاب قبل وفي أثناء الحرب
قبل اندلاع الثورة السورية، كان التعليم أحد الأعمدة الأساسية التي ارتكز عليها المجتمع السوري، كانت المدارس والجامعات تخرج الآلاف من الكفاءات سنوياً، ما أسهم في تطور البلاد على مختلف الأصعدة.
ومع اندلاع الثورة ضد النظام المجرم، تعرّض قطاع التعليم لضربات قاسية، فقد توقفت آلاف المدارس والجامعات عن العمل نتيجة للتدمير والقصف، وأُجبر الطلاب على الهجرة أو الانقطاع عن الدراسة بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة، فضلاً عن ذلك، استخدم النظام الجامعات كمراكز أمنية، ما أدى إلى تسييس العملية التعليمية وتحويلها إلى أداة قمع في يده.
أحمد الصطوف، من محافظة حماة، قال لموقع تلفزيون سوريا: “خرجت من سوريا في أواخر عام 2016 بسبب الحرب، وكان عمري حينها 17 عاماً، تركت الدراسة في الصف التاسع، حيث كنت مقيماً في محافظة إدلب، حدث ذلك بعد إصابتي من جرّاء غارات طائرات النظام المجرم، ما اضطرني للخروج إلى تركيا لتلقي العلاج.
وأضاف: “بعد انتهاء فترة العلاج، بدأت الدراسة مجدداً في محافظة أنطاكيا التركية، وأكملت حتى مرحلة البكالوريا، لكن بسبب الظروف الصعبة للغاية، لم أستطع إكمال دراستي الجامعية، رغم أنني قُبلت في أكثر من جامعة في تركيا، إلا أن مواصلة الدراسة في ظل تلك الظروف كان أمراً مستحيلًا، وهو حال الكثير من الطلاب الذين عانوا من ويلات الحرب واضطروا إلى إيقاف تعليمهم”.
والآن، يتابع الصطوف: “بعد التحرير وعودة سوريا إلى أهلها الشرفاء، أفكر بجدية في العودة لإكمال دراستي الجامعية في سوريا، بين أهلي وعائلتي. أتمنى الأمن والأمان لبلدي الحبيبة، سوريا”.
أهمية التعليم في بناء سوريا الجديدة
التعليم ليس مجرّد حق أساسي لكل إنسان، بل هو الأساس لبناء المجتمعات واستدامتها، لا يمكن لسوريا أن تنهض من دون جيل واعٍ ومتعلم قادر على تحمل مسؤولية إعادة الإعمار، سواء كان ذلك في مجالات العلوم أو الاقتصاد أو الفنون أو غيرها.
العودة إلى مقاعد الدراسة تعني منح الأمل للآلاف من الشباب السوري الذين عانوا من فقدان الفرص التعليمية، كما أن استئناف التعليم يُسهم في خلق فرص عمل وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، إذ يُعتبر التعليم حجر الزاوية في القضاء على الجهل والتطرف وتعزيز ثقافة الحوار والتنمية.
إجراءات لإحياء التعليم.. قرارات رسمية ودعم محلي
في إطار الجهود المبذولة لإعادة الأمل لقطاع التعليم، أصدرت الحكومة الجديدة في سوريا عدة قرارات تهدف إلى تسهيل عودة الطلاب المنقطعين، من بين هذه القرارات، إعفاء الطلاب من الرسوم الدراسية التي تراكمت خلال سنوات الانقطاع، وإعادة تفعيل التسجيل في الجامعات والمدارس بشكل مبسط وميسر.
كذلك، هناك العديد من الخطط لإعادة إعمار المدارس والجامعات المتضررة، وتوفير برامج تعليمية مكثفة لتعويض الفاقد التعليمي لدى الطلاب، خاصة أولئك الذين انقطعوا لفترات طويلة.
عبد الرحمن، من محافظة دير الزور، قال لـ موقع تلفزيون سوريا: “كنت طالباً في كلية الآداب، قسم التاريخ، لكنني اضطررت لترك الدراسة في السنة الثالثة من الجامعة بسبب الأوضاع التي رافقت اندلاع الثورة السورية”.
وأضاف: “عندما بدأت الحرب واشتد القصف، غادرت إلى تركيا حيث بدأت العمل لتأمين معيشتي ودعم أسرتي في سوريا، لم أستطع حينها التفكير في استكمال دراستي بسبب صعوبة الحياة، إذ كانت ساعات العمل طويلة، مما جعل الجمع بين الدراسة والعمل أمراً مستحيلاً”.
وتابع: “قبل تحرير سوريا من النظام، كنت قد فقدت الأمل في العودة إلى مقاعد الدراسة، لكن مع صدور القرار الذي أتاح لنا فرصة استكمال التعليم، عاد الأمل إلى نفسي، وقررت المضي قدماً لاستكمال دراستي”.
وختم حديثه قائلاً: “حين تركت الجامعة، كنت في العشرين من عمري، أما الآن، وأنا أعود لاستكمال دراستي، فقد أصبحت في الثانية والثلاثين، لكنني أؤمن أن تحقيق الأحلام لا يرتبط بعمر معين”.
التعليم بوابة المستقبل
إحياء التعليم في سوريا ليس مجرّد خطوة لإعادة ما فقدناه خلال سنوات الحرب، بل هو استثمار حقيقي في مستقبل البلاد، وبعودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة، تُفتح آفاق جديدة للأجيال القادمة لبناء وطن متقدم وقادر على مواجهة التحديات.
نعم التعليم هو السلاح الأهم في يد الشعب السوري لتحقيق التنمية المستدامة واستعادة مكانة سوريا بين الأمم.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر