تقارير

النفط والغاز السوري تحت عين موسكو.. وواشنطن تتحرك لكبح الطموح القديم

يشكل النفط أحد أبرز ساحات الصراع بين روسيا والولايات المتحدة في سوريا، حيث تسعى كلتا القوتين إلى تأمين نفوذهما على الموارد الطبيعية للبلاد، والتي تمثل محورًا استراتيجيًا في إعادة تشكيل المشهد السياسي والاقتصادي بعد سقوط بشار الأسد. في مقاله المنشور على موقع Oil Price، يستعرض المحلل الاقتصادي سيمون واتكينز أبعاد هذا الصراع، مسلطًا الضوء على التحركات الروسية الرامية إلى تثبيت حضورها في قطاعي النفط والغاز السوريين، مقابل محاولات واشنطن وحلفائها عرقلة هذه الجهود للحفاظ على نفوذهم في المنطقة.

يحلل واتكينز كيف تسعى موسكو إلى تأمين مصالحها الاقتصادية والعسكرية من خلال اتفاقيات جديدة مع الحكومة السورية المؤقتة، في حين تحاول واشنطن إعادة تشكيل النظام السوري بما يخدم استراتيجيتها الأوسع في الشرق الأوسط. وبين المصالح الروسية في ميناء طرطوس وقواعدها العسكرية، والمناطق النفطية التي تسيطر عليها القوات المدعومة من الولايات المتحدة في الشرق السوري، يبدو أن معركة الطاقة ستكون حاسمة في تحديد ملامح النفوذ الدولي في سوريا خلال المرحلة القادمة.

 

ترجمة المقالة كاملة:

عقب السقوط المفاجئ لبشار الأسد وإزاحته عن منصبه في الثامن من كانون الأول الماضي، طرحت حكومة تصريف الأعمال الجديدة مناقصات للعموم بهدف تطوير قطاع النفط ومنتجاته في البلد، وفي الوقت عينه، أعلن غياث دياب وزير النفط في الحكومة الجديدة بأن سوريا تسعى لاستئناف أعمال التنقيب والإنتاج ضمن قطاعي النفط والغاز لديها، ونظراً للأهمية الجيوسياسية الكبرى لسوريا بما أنها تحتل قلب الشرق الأوسط، ولامتلاكها لشريط ساحلي طويل على البحر المتوسط، يحتدم التنافس بين القوى العالمية الكبرى على إقامة موطئ قدم راسخة ضمن النظام السياسي الجديد لهذه الدولة.

ولذلك بادرت روسيا بزيارة رسمية رفيعة المستوى إلى سوريا، إذ وصل نائب وزير خارجيتها ميخائيل بوغدانوف إلى دمشق في 28 كانون الثاني والتقى بالرئيس السوري أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني إلى جانب وزير الصحة ماهر الشرع.

ولكن عقب اجتماع عقد في كانون الأول من عام 2024 بين الشرع والوفد الأميركي الذي ترأسته باربارة ليف، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، حجبت تلك المكافأة. وبحسب ما ورد في نشرة صحفية صادرة عن وزارة الخارجية الروسية، فإن الاجتماع الذي عقد مؤخراً ما بين بوغدانوف والشرع ركز على دعم موسكو الثابت: “لوحدة وسلامة الأراضي السورية وسيادة الجمهورية العربية السورية”، كما ورد في تلك النشرة الصحفية بأن كلا الطرفين وافقا على: “مواصلة التعاون الثنائي بهدف إضفاء الطابع الرسمي على الترتيبات ذات الصلة، والتي تعبر عن نية مشتركة بين الدولتين لتعميق الأواصر والتفاهم الشامل بين موسكو ودمشق بحيث يشمل مجالات السياسة الخارجية”.

المصالح الروسية في سوريا

لا غرو أن موسكو تتوق أشد التوق لأن تنتقل إلى الجانب الصحيح بنظر الشرع، بما أن سوريا مهمة بالنسبة لها وتمثل مصلحة استراتيجية كبرى لثلاثة أسباب أساسية، أولها هي أنها أكبر دولة تقع على الجانب الغربي للهلال الشيعي الذي عملت روسيا على تطويره طوال سنين ليقف ضد النفوذ الأميركي الذي تركز وقتئذ في السعودية (بالنسبة لإمدادات الهيدروكربونات) وإسرائيل (بالنسبة للأصول العسكرية والاستخبارية).

ثانياً، لدى سوريا شريط ساحلي طويل على البحر المتوسط بوسع روسيا من خلاله أن ترسل منتجات النفط والغاز الخاصة بها إلى جانب أي صادرات أخرى سواء من روسيا نفسها أو من أي دولة حليفة أخرى (وعلى رأسها إيران) بحيث يجري تصدير تلك المنتجات إما لقطب مهم من أقطاب الغاز والنفط في تركيا أو اليونان أو إيطاليا، أو نحو شمال أفريقيا وغربييها وشرقييها. ثالثاً: تعتبر سوريا مركزاً عسكرياً واستخبارياً مهماً بالنسبة للكرملين، كونها تشتمل على قاعدة بحرية كبرى (في طرطوس الذي يعتبر الميناء الوحيد الذي تنفذ منه روسيا إلى البحر المتوسط)، وقاعدة جوية كبرى (أي حميميم)، إلى جانب قاعدة تجسس كبرى (موجودة خارج مدينة اللاذقية).

 

عزمت روسيا على تحويل الدولة السورية التي تربطها بها علاقة زبائنية إلى دولة تعتمد على عملية تمويل ذاتية، وذلك بمجرد أن شرّحت وبشكل كامل الصناعات النفطية وتلك التي تعتمد على الغاز في هذا البلد والتي تعتبر هائلة من حيث حجمها. إذ في الوقت الذي قامت الحرب السورية في عام 2011، كانت سوريا تنتج نحو 400 ألف برميل من النفط الخام يومياً، وقد وصل احتياطي النفط لديها في تلك الأيام إلى 2.5 مليار برميل. وقبل أن تبدأ عملية التعافي بالتراجع بسبب عدم توفر أساليب لتعزيز التعافي ضمن قطاع النفط في أهم الحقول النفطية بسوريا والتي يتركز معظمها في المنطقة الشرقية القريبة من الحدود مع العراق أو في وسط البلاد، شرقي مدينة حمص، كانت سوريا تنتج قرابة 600 ألف برميل يومياً. وخلال الفترة التي وقعت فيها أكبر الحقول المنتجة للنفط والتي تشمل الحقول الموجودة في دير الزور وأكبرها حقل العمر تحت سيطرة تنظيم الدولة، هبط إنتاج النفط الخام ومكثفاته إلى نحو 25 ألف برميل يومياً قبل أن يستعيد الإنتاج عافيته من جديد.

تستورد أوروبا من النفط ما لا تقل قيمته عن ثلاثة مليارات دولار أميركي سنوياً من سوريا منذ بداية عام 2011، ومعظم مصافي النفط الأوروبية قد صممت لتعالج النفط الخام الثقيل والحامض القادم من السويدية والذي يمثل معظم ما تنتجه سوريا من النفط، أما الباقي فيصنف على أنه نفط سوري حلو وخفيف، ومعظم هذا النوع الذي يعادل إنتاجه قرابة 150 ألف برميل يومياً يذهب إلى ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، ويأتي عبر موانئ تصدير ثلاثة موجودة في سوريا، وهي بانياس وطرطوس واللاذقية. ولا يعتبر قطاع الغاز في سوريا أقل حيوية وأهمية عن قطاع النفط فيها، كما أنه لم يتعرض لدمار كبير خلال السنوات الأولى من الحرب، إذ بوجود 8.5 تريليون قدم مربع من احتياطي الغاز الطبيعي، شهد عام 2010 بأكمله، بما أنه العام الأخير الذي عمل فيه قطاع الغاز بظروف طبيعية، إنتاج سوريا لما يزيد عن 316 مليار قدم مربع من الغاز الطبيعي الجاف يومياً. هذا وقد بدأ تأسيس منطقة الغاز الجنوبية والوسطى على يد شركة سترويترانس غاز الروسية، وذلك بنهاية العام 2009، وهذه الشركة رفدت إنتاج الغاز الطبيعي في سوريا بنحو 40% عند بداية عام 2011، ما سمح لصادرات النفط والغاز السورية بأن تمثل ربع العائدات التي تصل إلى الحكومة خلال تلك الفترة، فتصدرت بذلك سوريا منطقة شرقي المتوسط في إنتاج النفط والغاز في تلك المرحلة.

وزير النفط والثروة المعدنية السوري غياث دياب

تضارب الأجندات الأجنبية في سوريا

في تشرين الثاني من عام 2017، وُقعت النسخة المعدلة عن النسخة الأصلية من خطة التعاون الروسية-السورية لعام 2015، والتي لم تشتمل على إحياء ما لا يقل عن 40  محطة للطاقة في سوريا فحسب، بل أيضاً شملت حقول النفط الواقعة قبالة سواحلها، فتحسن وضع سوريا ضمن النظام العالمي الجديد لسوق النفط. وفي بداية الأمور، توجه التركيز نحو توسيع قطاع الطاقة، بناء على الخطة الموقعة بين وزير الكهرباء السوري آنذاك، محمد زهير خربوطلي، ووزير الطاقة الروسي ألكساندر نوفاك. وقد شملت تلك الاتفاقية إعادة إحياء كاملة وتأهيل لمحطة حلب الحرارية، وإقامة محطة للطاقة في دير الزور وتوسيع إمكانيات محطتي محردة وتشرين، والهدف من كل ذلك إعادة تنشيط شبكة الطاقة السورية وإحياء مركز التحكم الرئيسي بالشبكة وإعادته إلى دمشق. وهذا ما لمسناه في التصريحات التي ظهرت في بدايات ومنتصف شهر كانون الأول من عام 2017 (على لسان نائب رئيس الوزراء الروسي وقتئذ، ديمتري روغوزين، عقب محادثات أجراها بشار الأسد في سوريا) والتي دارت حول رغبة روسيا بأن: “تكون الدولة الوحيدة التي تشارك بإعادة بناء محطات الطاقة السورية”. وإلى جانب مشاريع محطات الطاقة الأربع والتي تحولت عملية تطويرها إلى أولوية آنذاك، كان مشروع البنية التحتية الأساسية يقوم على إصلاح كامل ورفد لإمكانيات مصفاة النفط في حمص مع تحديثها (بما أن مصفاة النفط السورية الأخرى كانت موجودة في بانياس). أما التنفيذ العملي للمشروع فقد ترأسته شركة مبنى الإيرانية إلى جانب شركات روسية، وكان هدفه الأساسي رفع طاقة المصفاة لتصل إلى 140 ألف برميل باليوم، في حين كان هدف المرحلة الثانية من المشروع هو الوصول إلى 240 ألف برميل يومياً، وهدف المرحلة الثالثة للمشروع هو الوصول إلى إنتاج 360 ألف برميل باليوم. وهنالك هدف آخر يتمثل بتمكين المصفاة من معالجة النفط الإيراني القادم عبر العراق عند الحاجة، قبل أن يُشحن إلى جنوبي أوروبا. كانت تلك خطة التعاون العسكري والسياسي وفي مجال الطاقة ذات المدى الموسع والمجالات المختلفة والتي ترغب روسيا اليوم بإعادة تفعيلها بالتعاون مع القيادة السورية الجديدة.

غير أن الولايات المتحدة وحلفاءها لديهم أجندة مختلفة بالنسبة لسوريا، هذا إن لم يكن لديهم أي سبب آخر سوى تدمير الخطة الكبرى التي تسعى روسيا لتحقيقها، والتي تعتمد على فكرة رائعة بما فيه الكفاية ضمن لعبة سياسات القوى الكبرى ذات المحصلة الصفرية، إذ كما سمعنا في الاجتماع الذي عقد في كانون الأول بين الوفد الأميركي والشرع، صرحت مصادر عديدة تعمل في مجال الأمن والطاقة بواشنطن ولندن وبروكسل عقب سقوط الأسد بأن النجاح المفاجئ والذي لا يمكن تفسيره بأي شكل والذي حققه ثوار سوريا برئاسة هيئة تحرير الشام يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالدعم الأميركي والبريطاني الهائل الذي وصلهم خلال الفترة التي سبقت سقوط الأسد. وعن ذلك يصرح مصدر أمني كبير في الاتحاد الأوروبي فيقول: “لقد رغبت الولايات المتحدة أن تنقل للقيادة في موسكو وطهران رسالة مفادها بأن واشنطن يمكنها وبكل سهولة أن تعيد رسم وتشكيل الحدود والأنظمة ليس فقط في الشرق الأوسط بل أيضاً في أوروبا الشرقية، وبأن كل ذلك رهن إشارتها”، كما خلص إلى القول بإنه: “مع رحيل الأسد اليوم، لم أعد أرى واشنطن تجلس مكتوفة الأيدي وتسمح لكل من هب ودب بالاستفادة من ذلك، لأن الأمر منوط بها بشكل حصري، وفي حال تمت عملية إعادة الإعمار بطريقة تدريجية وشاملة (تحت حكم الفصائل الثورية السابقة في سوريا) فإن النتيجة قد تكون أفضل بكثير مما رأيناه في مواضع أخرى من هذه المنطقة”.

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Open chat
Scan the code
مرحبا 👋
كيف يمكنا مساعدتك؟