هل تؤسس إسرائيل لواقع عسكري دائم في غزة ولبنان وسوريا؟

كان من المفترض مع شروق شمس اليوم الثاني من آذار أن تبدأ المرحلة الثانية لوقف إطلاق النار في غزة حيث اعتزمت حماس وإسرائيل على إنهاء الحرب رسمياً، غير أن إسرائيل رفضت البدء بالمحادثات التي تعهدت بخوضها بهدف التوصل إلى اتفاق في شهر كانون الثاني الماضي، وطالبت بتمديد المرحلة الأولى من الهدنة التي دعت فيها إلى إطلاق سراح أكثر من 59 أسيراً ما يزالون محتجزين لدى مقاتلي حماس، إلى جانب الضغط على حماس من أجل الموافقة على الاتفاقية بعد تعديلها، ولذلك قطعت إسرائيل الإمدادات من المساعدات عن قطاع غزة الذي دمر خلال الحرب.
“مناطق عازلة” وخروقات جديدة
يعتبر تجميد اتفاقية وقف إطلاق النار جزءاً من التحول الاستراتيجي الأكبر، في وقت أخذ الجيش الإسرائيلي يسعى للاحتفاظ بوجود أوسع له على المستوى الجغرافي الذي اشتمل على أراض ليست إسرائيلية، بما أن إسرائيل شرعت بتكوين ما تعتزم أن يصبح “مناطق عازلة” غير محددة البقعة على أربع جبهات، تضم غزة، وعلى الحدود مع لبنان وسوريا، وعلى الضفة الغربية.
أتى هذا التحرك إثر الفوضى التي ظهرت في تلك الأماكن، وبسبب الصدمة المديدة التي سببها هجوم حماس في تشرين الأول من عام 2023، وبضغط من الأحزاب اليمينية ضمن الائتلاف الحاكم الذي يترأسه بنيامين نتنياهو. ويدعم ذلك التوجه الثقة الجلية التي أبداها هذا الرجل فيما يتصل بدعم إدارة ترامب له، بما أنها لم تبد أي بادرة لمحاولة كبح جماح الجيش الإسرائيلي.
بيد أن هدنة غزة ليست اتفاقية وقف إطلاق النار الوحيدة التي خرقتها إسرائيل، إذ بموجب بنود الاتفاقية التي توسطت أميركا لتوقيعها بين حزب الله الذي كان يسيطر على أجزاء من لبنان إلى أن اندلعت الحرب بينه وبين إسرائيل خلال العام المنصرم، وبين الجيش الإسرائيلي الذي كان من المفترض أن يغادر الأراضي اللبنانية بحلول أواخر شهر كانون الثاني الماضي، طالبت إسرائيل بتمديد ذلك الاتفاق إلى أن يستكمل الجيش اللبناني سيطرته على المنطقة، ولكن حتى بعد تجاوز الموعد النهائي المحدد بالثامن عشر من شهر شباط الماضي، بقيت إسرائيل تحتفظ بخمسة مواقع محصنة في الجنوب اللبناني.
تبرر إسرائيل تأجيلها بالحاجة لحماية المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الحدود، غير أن عودة قوات حزب الله إلى الجنوب قد تشكل وبكل سهولة خطراً على تلك المستوطنات من جديد، ولهذا أعلنت الحكومة الإسرائيلية أن جيشها سوف يخلي المواقع بمجرد تأكده من قدرة الجيش اللبناني على تأمين الحدود وإبعاد حزب الله (ولم يتضح بعد ما إذا كان الجيش اللبناني قادراً على الاضطلاع بتلك المهمة أم لا)، لكن إسرائيل لم تحدد أي موعد أو شروط واضحة للتأكد من تحقيق ذلك.
وفي الزاوية الواقعة في أقصى الشرق، عند مرتفعات الجولان، انهارت اتفاقية وقف إطلاق النار التي أبرمتها إسرائيل مع سوريا، فقد وقعت تلك الاتفاقية مع نظام حافظ الأسد في عام 1974، وعندما أسقطت قوات المعارضة السورية ابنه بشار في شهر كانون الأول الماضي، قطعت القوات الإسرائيلية حدود الجولان واحتلت أراضي سورية، والتبرير الأساسي لإسرائيل بالنسبة لذلك هو عدم وجود قوات معترف بها تحمي الحدود، ومنذ ذلك الحين، شكلت هيئة تحرير الشام حكومة في دمشق، لكنها لم تسيطر بشكل كامل على البلد ولهذا ما تزال جماعات مسلحة منافسة لها تنشط في سوريا.
كان ذلك أحد الأسباب التي دفعت الجيش الإسرائيلي للبدء في بناء مواقع عسكرية دائمة في سوريا، إذ في الثالث والعشرين من شباط الماضي أعلن نتنياهو أن إسرائيل: “لن تسمح لقوات هيئة تحرير الشام أو للجيش السوري الجديد بدخول المنطقة الواقعة جنوبي دمشق”، وطالب بعملية “نزع سلاح كامل لقوات النظام الجديد وذلك في الجنوب السوري ضمن محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء”.
وأخيراً، لم تلتزم القوات الإسرائيلية بالاتفاقيات القديمة في مدينتي جنين وطولكرم الفلسطينيتين في الضفة الغربية، حيث أجبر نحو أربعين ألفاً من المدنيين على الرحيل عن بيوتهم بسبب استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الجماعات المسلحة الموجودة هناك، وتعتبر المدينتان جزءاً من (المنطقة أ) التي تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو الثاني الموقع في عام 1995. وفي 29 كانون الثاني، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إنه: “بعد استكمال العملية، ستبقى القوات الإسرائيلية في المخيم لضمان عدم عودة الإرهاب”.
“استراتيجية مختلفة لإدارة المخاطر”
أعلن مسؤولون أمنيون إسرائيليون أن الأحداث التي حصلت خلال السنة والنصف الماضية تقريباً تشير إلى أن البلد تبنى ما يسمى بـ “استراتيجية مختلفة لإدارة المخاطر”، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن ما ستقوم به إسرائيل لن يعتمد على تقييم استخباراتها لما يخطط أعداؤها القيام به على المدى القريب، بل على ما لديهم من إمكانات، أما حالياً، فإن توسع سيطرة ونفوذ الجيش الإسرائيلي قد يكون دائماً، مع تجنب أي انتقاد عنيف ضد ذلك. ومع تراجع حزب الله وحماس بعد الحملات الإسرائيلية المدمرة على غزة ولبنان، اختلفت أولويات حكومة هيئة تحرير الشام في دمشق وهي تحاول أن تتجنب انهيار الاقتصاد في سوريا، وسقوط البلد في حالة في الفوضى العارمة أو الحرب الأهلية.
خطر الحرب لم يختف بعد
بيد أن مصدر القلق المباشر يكمن في غزة، إذ قد لا تكون لحماس مصلحة كبيرة في استمرار الحرب في أثناء استعادتها للسيطرة المدنية على الشريط الساحلي مع إعادة بناء قوتها القتالية التي تعرضت لضربة شديدة، ولكن في حال استمرت تلك الجماعة على رفضها لتغيير بنود الاتفاقية، فإن إسرائيل ستعد العدة لهجوم عسكري كبير وهائل على غزة، ولهذا صرح الضباط الإسرائيليون أن ذلك قد يمهد السبيل أمام تلك الخطة التي كان دونالد ترامب أول من أعلن عنها، والتي تقضي بإخراج سكان غزة وبناء منطقة “ريفيرا” في الشرق الأوسط. ومن غير المتوقع أن يتخذ أي قرار بهذا الشأن إلى أن يعود مبعوث ترامب، أي ستيف ويتكوف، إلى المنطقة سعياً لعقد اتفاقية جديدة. بيد أن خطر اشتعال الحرب من جديد يلوح في الأفق.
وهنالك أيضاً تكاليف ستدفع على المدى البعيد، إذ في جنوبي لبنان، برر استمرار الوجود الإسرائيلي لحزب الله الاحتفاظ بإمكاناته العسكرية على الرغم من الضغط الذي مارسته الحكومة اللبنانية الجديدة والشارع اللبناني على هذا الحزب حتى ينزع سلاحه. أما بالنسبة لإسرائيل، فإن عبء الاحتفاظ بتوسع الوجود الإسرائيلي سيصبح أكبر بكثير، سواء على الصعيد المالي وكذلك على صعيد الاحتفاظ بمستويات التعبئة عالية بين صفوف جنود الاحتياط، بما أن معظمهم بدؤوا في الفترة الرابعة من خدمتهم طويلة الأمد وذلك منذ بدء الحرب على غزة، وكل ذلك يتوقف على استمرار الدعم من إدارة ترامب التي تتسم بالتقلب والتلون الذي أساء إلى سمعتها.
هذا ويمكن لتوسع النفوذ العسكري الإسرائيلي أن يهدد سلسلة من الفرص الفريدة التي تلوح أمام إسرائيل، إذ منذ أن وقعت إسرائيل أول معاهدة لها مع دولة عربية، ألا وهي مصر، في عام 1978، وهي تعمل على خلق حالة توازن بين حالة الردع العسكرية والمناورة الدبلوماسية، بيد أن تلك المعاهدة ومعاهدة أخرى غيرها وقعتها إسرائيل مع الأردن، صمدتا على الرغم من الأحداث التي عصفت بالمنطقة، والحكومتان الجديدتان في سوريا ولبنان تحرصان كل الحرص على التعامل مع الغرب وإثبات أن كلاً منهما لم تعد ملجأ لأذرع إيران، غير أن استمرار احتلال أراضيهما قد لا يكون خير بداية لتحسين العلاقات.
المصدر: The Economist
شارك هذا المقال
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
اكتشاف المزيد من خليجيون 24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.