تقرير دولي: العالم يواجه ركودًا اقتصاديًا بسبب تعريفة ترامب

القاهرة: هاني كمال الدين
في ظل تصاعد التوترات التجارية العالمية وتزايد الغموض بشأن المسار الاقتصادي للمرحلة المقبلة، تسود أوساط الخبراء تحذيرات جدية من أن الاقتصاد العالمي يقترب من مرحلة حرجة قد تقوده نحو ركود واسع النطاق. فقد كشف استطلاع حديث أجرته وكالة “رويترز” شمل أكثر من 300 خبير اقتصادي من مختلف أنحاء العالم، عن شبه إجماع على أن الإجراءات الحمائية التي تبنتها الإدارة الأمريكية – وفي مقدمتها فرض رسوم جمركية مرتفعة على عدد من الشركاء التجاريين – تمثل عاملًا رئيسيًا في زعزعة استقرار الأسواق وتقويض الثقة في النظام الاقتصادي العالمي.
وفي حين كانت توقعات النمو العالمية قبل أشهر قليلة تشير إلى استقرار نسبي، أحدثت التوجهات الأمريكية الأخيرة صدمة عميقة أدت إلى تراجع تقديرات النمو وتزايد احتمالات الدخول في ركود. فعلى الرغم من تجميد بعض الرسوم مؤقتًا، أبقت واشنطن على ضرائب جمركية مؤثرة، شملت فرض نسبة 10% على سلع متنوعة، وتصعيداً أكثر حدة ضد الصين برسوم وصلت إلى 145%، وهو ما أسهم في دفع كبرى الشركات العالمية إلى إعادة حساباتها، وعلّق بعضها خططه المستقبلية بسبب حالة الغموض التي تخيم على المشهد التجاري العالمي.
ويؤكد محللون اقتصاديون أن هذا التحول المفاجئ في السياسة التجارية الأمريكية فاقم الضغوط على الأسواق، ودفع العديد من الشركات إلى تقليص توقعاتها الربحية، أو إعلان تعذر إصدار أي توجيه مالي للمرحلة المقبلة، ما يعكس حالة اضطراب واضحة تنذر بتداعيات أوسع. وقد أشار “جيمس روسيتر”، أحد كبار المحللين الاستراتيجيين، إلى أن الشركات باتت عاجزة عن التخطيط حتى على المدى القريب، وسط بيئة متقلبة لا يمكن التنبؤ بمخرجاتها.
وتُظهر نتائج الاستطلاع الاقتصادي أن 92% من المشاركين يرون أن الإجراءات التجارية الأمريكية أضرت بالاقتصاد العالمي، بينما لم يعبّر أي خبير عن رأي إيجابي تجاه تلك السياسات، واكتفى 8% فقط – معظمهم من دول ناشئة – بوصف تأثيرها بالحيادي. هذا التوافق شبه الكامل يعكس حجم القلق الذي تسلل إلى دوائر صنع القرار المالي حول العالم.
وبالنتيجة، خفّض معظم المشاركين في الاستطلاع توقعاتهم لنمو الناتج العالمي خلال العام الجاري، لتنخفض المتوسطات من 3.0% إلى 2.7%، وهو تراجع ملموس يعكس هشاشة الوضع القائم، وإن كان صندوق النقد الدولي لا يزال متمسكًا بتقديراته عند 2.8%. اللافت أن اقتصادات رئيسية مثل الولايات المتحدة وكندا والمكسيك تأثرت بشكل كبير، في حين حافظت كل من الصين وروسيا على توقعات مستقرة نسبيًا، مما يشير إلى تغيّر في موازين القوى الاقتصادية.
ويزداد القلق حين يتعلق الأمر بالتضخم العالمي، إذ تُعدّ السياسات الجمركية أحد العوامل التي تعيق جهود البنوك المركزية في كبح جماح الأسعار. ففي الوقت الذي تسعى فيه معظم هذه المؤسسات إلى تهدئة التضخم عبر رفع أسعار الفائدة، تأتي الضرائب التجارية كعنصر مناوئ، يدفع بالأسعار إلى الأعلى ويقوّض الأهداف النقدية الموضوعة.
وتفيد البيانات بأن 19 بنكًا مركزيًا من أصل 29 لن يتمكن من بلوغ أهدافه التضخمية خلال هذا العام، بينما تتوقع غالبية هذه البنوك استمرار المشكلة حتى عام 2026. هذا التقدير المتشائم ينبئ بفترة طويلة من الاضطرابات الاقتصادية قد يصعب احتواؤها، لا سيما في ظل تراجع القوة الشرائية للمستهلكين، وتباطؤ الطلب، وتنامي معدلات القلق من مستقبل الاستثمار.
أما في ما يتعلق باحتمالات الركود، فقد رجّح أكثر من 60% من الاقتصاديين المشاركين أن العالم قد يواجه ركودًا فعليًا هذا العام، وهو احتمال غير مستبعد في ظل استمرار الحروب التجارية وتعقيداتها. بينما عبر أقل من 40% عن تفاؤل حذر، مع إشارات محدودة لاحتمال تجاوز الأزمة في حال حدوث انفراجات سياسية أو اتفاقيات تجارية جديدة تساهم في تهدئة الأسواق.
وقد لفت “تيموثي غراف”، وهو أحد كبار الاستراتيجيين في الأسواق الأوروبية، إلى أن تبعات السياسات الأمريكية تتجاوز التأثيرات الاقتصادية، لتطال البعد الاستراتيجي والثقة العالمية في التزامات واشنطن تجاه الشراكات الدولية، ما قد يعيد تشكيل خريطة التحالفات التجارية خلال السنوات المقبلة.
وفي ظل هذا المشهد المتشابك، يبرز خطر الركود التضخمي، وهو السيناريو الأكثر تعقيدًا بين احتمالات المستقبل الاقتصادي، حيث يجتمع فيه ضعف النمو مع ارتفاع الأسعار وزيادة البطالة. ورغم أن هذا النوع من الركود نادر الحدوث، فإن العديد من المؤشرات الاقتصادية الحالية تضعه على الطاولة بوصفه خيارًا واقعيًا.
يتضح مما سبق أن الاقتصاد العالمي يقف اليوم على مفترق طرق، بين احتمالات الانفراج ومخاطر الانحدار نحو أزمة طويلة الأمد. وفي الوقت الذي تنتظر فيه الأسواق إشارات واضحة من أكبر اقتصاد في العالم، يبدو أن التوجهات السياسية باتت أكثر تأثيرًا من أي وقت مضى، ولا يمكن إغفال دورها في صياغة مستقبل الاقتصاد العالمي.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر