منوعات

انعكاس العقد النفسية على صراعات السلطة والنفوذ

“الأسرة الراقية” في المجتمع السوري مفهوم غامض، إذ تكثر عبارات مثل: “أنا من عائلة راقية – أمي من عائلة راقية – جدتي من عائلة راقية. ..” كثيراً ما يكررها ضيوف البودكاست السوري.

وهذا ما يطرح أمامنا عدة تساؤلات حول طبيعة «الرقي» الذي تطلقه بعض العائلات على نفسها، والذي تمنحه أحيانًا القوى الفاسدة للآخرين. هل هي صفة أصيلة أم وهم موروث؟

بين المشيخة والأسرة: صراع الهوية في ظل الاستبداد

في برنامج يقدمه الإعلامي أيمن عبد النور على قناة Clubhouse؛ التطبيق الذي عاش مرحلته الذهبية خلال حظر جائحة كورونا، فضل عبد النور أن يعرف ضيوفه أنهم ينتمون إلى عائلات راقية. يظهر المصطلح أيضًا بشكل متكرر في البرامج الحوارية والبودكاست ردًا على سؤال التعريف النمطي. فالفنان جمال سليمان، على سبيل المثال، وعبر أكثر من برنامج ومقابلة، كرر مراراً وتكراراً أن والدته تنحدر من عائلة دمشقية “عريقة”.

وبخلاف ادعاء معظم الشخصيات أنهم ينتمون إلى عائلات “راقية” من كبرى المدن السورية، هناك من يدعي الانتماء إلى عائلات مشايخ ووجهاء العشائر والعشائر في مناطق تهيمن عليها المجتمعات العشائرية. ولنجد أن مفهوم الأسرة «الراقية» يوازي أسرة «المشيخة».

ولا شك أن أبناء القبائل يدركون جيداً الفرق بين بيوت المشيخة الطبيعية وقطاع الطرق الذين نصبتهم السلطات كأعيان لدى بعض القبائل والمنتسبين إليها. ويمكن أن ينطبق الشيء نفسه أيضًا على المجموعة العائلية الراقية.

وإذا تعمقنا في «مرايا» ياسر العظمة سنجد العديد من اللوحات التي تحاول إثبات فرضية «همجية المجتمع السوري الذي لا يلتزم بالطابور»، وشخصية «أبو الهنا» التي وقد لعب الدور الذي لعبه دريد لحام، جهوداً جبارة لإثبات هذه الفرضية أيضاً.

المشيخة الطبيعية (مشيخة النسب) لم تنقرض، ولا تزال هناك عائلات تمثلها، والقبيلة كيان متناغم مع الطبيعة، كما ذكرنا في مقال نشر سابقاً على موقع تلفزيون سوريا بعنوان: “ “فلسفة القبيلة بين الاستبداد والفوضى.” هذا النوع من المشيخات ينبع من رحم المجتمعات القبلية، وهي عملية اختيار طبيعي – بيولوجي – للقيادات الاجتماعية التي لها تأثير فعال على المجتمع القبلي، لكن السلطات غير الطبيعية/غير الشرعية تحاول تقييد كل ما هو طبيعي ومشروع ( حسب عادات القبيلة)، وبالتالي زراعة المنافسين. من وجهاء ومخاتير وشيوخ صوريين، مروراً بترشيحات «مجلس الشعب» أو اتباع سياسة «الولاء» لمراكز القوى الأمنية، و«التبرأ» من كل ممثل للشرعية الاجتماعية. هذه التدخلات السافرة في العوائل المشيخية التقليدية حولت القبيلة إلى كيان مدجن، على غرار تنظيمات «الشباب» و«طلائع البعث» والنقابات المهنية.

“عائلات النخبة”.. صناعة كهرباء أم إرث تاريخي؟

وتوضح خريطة نفوذ العائلات حالات الصعود والهبوط بعد كل عملية تغيير سياسي. وبينما يتلاشى البعض، يتألق البعض الآخر. وتنطبق هذه القاعدة على شيوخ العشائر أيضاً، إذ يتعاظم دور بعضهم ويصبحون مركز قوة تحت راية السلطات الجديدة، فيما يفقد آخرون نفوذهم المكتسب تحت راية السلطة القديمة.

وهذا يذكرنا بتصريح أحد أبناء المشايخ بأنه لا يعترف بمشيخة إلا إذا كانت تحمل الختم العثماني، ويعتبر من يحمل الاختام الفرنسية والحكومات والأنظمة التي تلتها، بما في ذلك نظام الأسد، هم مشيخات وظيفية ودمية.

ومن الواضح أن صاحب هذا البيان يحاول إثبات صحة مشيخته ونفيها عن الباقي، وهو بذلك يثبت الفرضية القائلة بأن العائلات البارزة والمشيخات القبلية غالباً ما تنتج عن التحالف مع السلطات، دون اعتبار. إلى شرعيتهم.

“المنصة”: تجسيد واقعي للصراع الطبقي

“هناك ثلاثة أنواع من الناس: أولئك الذين في الأعلى، والذين في الأسفل، والذين يسقطون.” بهذا التصنيف الطبقي الواضح يبدأ فيلم “المنصة” الذي يظهر سجناً عمودياً غريباً يشبه الحفرة ويتكون من مستويات مختلفة. يمثل كل مستوى طبقة اجتماعية، وكلما انخفض المستوى، قل الطعام المتوفر، لتبدأ فصول الصراع الطبقي على الموارد، “بقايا الطعام”.

يذكرنا هذا الفيلم “المنصة/الحفرة” بتصريحات نارية للسياسي السوري المعارض سمير نشار، زعم فيها أن الصراع الطبقي للعائلات في المدينة يساهم في صعود وسقوط هذه العائلات بحسب المكاسب المادية. يحققونها، وهذا النضال -حسب رأيه- هو أساس تطور المجتمع.

وبالعودة إلى الفيلم، يظهر البطل غورينغ، المثقف والحالم، في يومه الأول في الزنزانة، مخاطباً “رفاقه في السجن”:

  • “يا رفاق، هناك بالأسفل، هل يمكنكم سماعي؟”
  • “لا تتصل بهؤلاء الموجودين هناك.” “Tremagasi،” يجيب شريك الخلية.
  • “لماذا؟”
  • “لأنهم هناك.”

يواصل المثقف الحالم محاولته التحدث مع من هم في الأعلى، لكن تريماجاسي قاطعه مرة أخرى:

  • “أولئك الذين في الأعلى لن يجيبوا عليك.”
  • “لماذا؟”.
  • “لأنهم في القمة!”

يبدأ غورينغ بتوجيه الأسئلة إلى تريماغاسي، لكن الأخير، الذي يمثل المصالح الطبقية المادية – بحسب وصف المعارض نشار – يقول له: “الحديث يرهقني، خاصة عندما أقدم معلومات أكثر مما أحصل عليه”.

وهذا يعني أن الحديث يجب أن يقتصر على من هم في نفس الطبقة الاجتماعية، وتكون العلاقة بينهم مصلحة: “لن أعطيك إلا بقدر ما تعطيني”. إنها صورة واضحة للمادية في أقسى أشكالها.

«العائلة العالية» منبر في عصر الاستبداد

ومن الطريف في الفيلم أن السجناء يُسألون عن وجباتهم المفضلة قبل دخول الزنازين، وكأنهم يدخلون مطعمًا فخمًا وليس سجنًا حقيرًا.

وفي الطابق العلوي، تنتشر معدات معقدة، تقوم بإعداد وجبات الطعام بدقة متناهية، لدرجة أن وجود شعرة واحدة في الطعام يعتبر كارثة، تستحق صاحبها أشد العقوبات. لكن بمجرد خروج الطعام من أيدي الهيئة ويبدأ نزوله إلى خلايا الحفرة بالترتيب من الأعلى إلى الأسفل، تتخلى الهيئة عن وظيفة الإشراف على التوزيع العادل بين طبقات الحفرة، لذلك أن الوجبات الملكية المعدة حسب رغبة السجناء تتحول إلى مسرح لتصفية الأحقاد الطبقية، كما يتبول من هم في القمة. على الأطعمة من أدناه.

وفي محاولة ثورية لاختبار فرضية السلطة القائمة على «أن الطعام يكفي جميع نزلاء الحفرة، والمشكلة تكمن في همجيتهم»؛ قرر المثقف صاحب الرؤية غورينغ، بمساندة زميله في الزنزانة، أن يصعد إلى طاولة الطعام وينزل معها، واستخدم القوة لمنع الطبقات العليا من الوصول إلى الطعام. يبدأ توزيع الطعام من الطابق الخمسين، ويتفاجأ غورينغ بأن عدد السجناء وعدد طوابق الحفرة كبير جداً وأن الطعام لا يكفي.

يذكرنا هذا المشهد بمعلمي التربية الوطنية الذين كانوا يرددون عبارات توبيخ المواطنين لعدم وقوفهم بانتظام في طوابير الخبز والوقود و”السلة التموينية”، والإشادة بالغرب المتحضر لالتزامه بالأنظمة والقوانين، وكأن مشكلتنا تكمن في همجية المجتمع مقابل تعقيد السلطة! ويأتي فيلم الحفرة ليظهر أن صورة النظام المزخرفة تخفي خلفها فكرة التهرب من الإشراف على التوزيع لإلقاء اللوم على السجناء الهمجيين (على النقيض من فكرة أستاذ القومية بأن الشعب السوري غير ملتزم بالدور) ).

وإذا تعمقنا في «مرايا» ياسر العظمة سنجد لوحات كثيرة تحاول إثبات فرضية «همجية مجتمع لا يلتزم بدوره». وبذلت شخصية “أبو الهنا” التي يلعب دورها دريد لحام جهودا كبيرة لإثبات هذه الفرضية أيضا.

وفي وسط هذه التناقضات، تبرز «العائلة العليا» كمفهوم غامض. وفي حين يتم استخدامه للفخر، فإنه في الواقع يشكل تعبيراً عن الطبقة الاجتماعية التي تديمها وتعززها الأنظمة الاستبدادية من خلال الاستغلال الأمثل للمشاكل النفسية للطامحين من الفئات المضطهدة من خلال إدخالهم في ماراثون الفساد والتلاعب بـ “مؤسسات الدولة”. “

 

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Open chat
Scan the code
مرحبا 👋
كيف يمكنا مساعدتك؟