منوعات

إضاءة حول مستقبل النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط

 

إيران دولة إقليمية لها نفوذها ودورها في كل حدث يحدث في الشرق الأوسط، وقد استطاعت من خلال الأدوات التي تمتلكها أن تستثمر كل فراغ أو حدث تتعرض له دول المنطقة بما يخدم مصالحها، فقد استغلت تاريخيا الحرب العراقية على الكويت عام 1990 لإعادة بناء العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول الخليج العربي في عهد الرئيس الإصلاحي خاتمي، بعد فترة طويلة من التوتر والتصعيد السياسي بين الطرفين نتيجة مساندة بعض دول الخليج للعراق في حربه ضد إيران عام 1980.

واستغلت طهران الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وما تلاه من فراغ سياسي وحكومي وعسكري لفرض نفوذها على الدولة العراقية على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية، حيث أصبح العراق ملاذاً للميليشيات الإيرانية.

ومع انطلاق الربيع العربي، كانت إيران أسرع من نظيراتها الإقليمية في التحرك لاتخاذ قرار التدخل، فمدت نفوذها إلى اليمن عبر الحوثيين، وشجعت الشيعة في البحرين على الاحتجاج ضد الحكومة، وحاولت تحريض الطائفة الشيعية في المناطق الشرقية من السعودية، ومدت نفوذها إلى سوريا بتسهيلات من النظام السوري، بالإضافة إلى نفوذها السابق في لبنان عبر حزب الله.

بعد أكثر من عقد من الجهود الإيرانية لتثبيت مراكز النفوذ السياسي والعسكري التي غرستها في الشرق الأوسط، نحاول هنا تقديم بضعة أسطر من الرؤى أو الرؤية حول مدى قدرة إيران على الحفاظ على مراكز نفوذها، وخاصة في سوريا، استناداً إلى تحليل أدوات السياسة الخارجية الإيرانية.

تراجع القدرات العسكرية الإيرانية

ولعبت القدرات العسكرية الإيرانية دوراً في تشكيل وتنفيذ سياستها الخارجية، حيث شكلت الصواريخ الباليستية بعيدة المدى التي استطاعت إيران تصنيعها بدعم من خبراء من كوريا الشمالية وروسيا مصدر قلق لكل الدول المجاورة، حيث توفر هذه الأنواع من الصواريخ أداة تهديد حقيقية، حيث تمنح إيران القدرة على استهداف كل دول منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي تمنح طهران أداة للهجوم والردع في نفس الوقت. إلا أنه مع مرور الوقت تضاءلت فعالية هذه الأنواع من الصواريخ، وهو ما أثبتته الضربات الانتقامية الإيرانية على القوات الأميركية في العراق انتقاماً لمقتل قاسم سليماني، والتي لم تسبب خرقاً أو تأثيراً على القواعد الأميركية بحسب العديد من المحللين العسكريين. كما فشلت هذه الصواريخ في ضرب إسرائيل ضمن العملية الانتقامية لقصف السفارة الإيرانية في دمشق.

لقد لعبت العقوبات الدولية دوراً حاسماً في منع إيران من تطوير صناعتها العسكرية، ففي حين تشهد تركيا طفرة في صناعتها العسكرية، تشهد إيران تراجعاً في إدخال التكنولوجيا المتقدمة إلى صناعتها العسكرية، وهو ما أصبح غير دقيق وغير حاسم.

تشكل الطائرات بدون طيار إحدى وسائل القوة العسكرية الإيرانية، لأن رادارات أنظمة القوات الجوية غير قادرة على التعامل معها بشكل كامل مقارنة بالطائرات العسكرية التقليدية، ورغم ذلك فإن الطائرات بدون طيار الإيرانية ليست فعالة للغاية مقارنة بالطائرات بدون طيار الأميركية والصينية وحتى التركية.

لقد لعبت العقوبات الدولية دوراً حاسماً في منع إيران من تطوير صناعتها العسكرية، ففي حين تشهد تركيا طفرة في صناعتها العسكرية، تشهد إيران تراجعاً في إدخال التكنولوجيا المتقدمة إلى صناعتها العسكرية، وهو ما أصبح غير دقيق وغير حاسم.

تراجع الحرس الثوري الإيراني

ويعتبر الحرس الثوري الإيراني الجناح المتشدد (المتطرف) في إيران، والذي يؤمن بفكرة التوسع الخارجي (الجيوسياسية الشيعية)، كما ينفذ كافة العمليات العسكرية والأمنية خارج حدود البلاد، وهو من يسيطر على مراكز النفوذ الخارجي.

وقد اغتالت الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل عدداً كبيراً من قادتها البارزين في مناطق مختلفة داخل إيران والعراق وسوريا ولبنان، وكان في مقدمة الاغتيالات قاسم سليماني القائد السابق لفيلق القدس، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من القادة الذين شاركوا في العمليات العسكرية في سوريا، مثل العميد بناه تقي زاده، والعميد محمد علي عطائي، والعميد سيد رضا موسوي أحد أبرز قادة فيلق القدس في سوريا، والعميد حجة الله عميدور الذي كان مسؤولاً عن استخبارات فيلق القدس في سوريا، والجنرال علي نجاد آغا زاده، وحسين محمدي، وسعيد كريمي، ومحمد أمين صمدي.

ويمكن اعتبار هذه التصفيات بمثابة القضاء على الصف الأول من القيادات الإيرانية، وخاصة من الحرس الثوري المتطرف، وتحييد هذه الشخصيات ذات الفكر المتطرف سيساهم في تراجع فاعلية الحرس الثوري خارجياً، ويمكننا التأكد من ذلك من خلال مقارنة تحركات قائد فيلق القدس الحالي إسماعيل قاآني مع تحركات قاسم سليماني سابقاً.

بمعنى آخر، نحن أمام استراتيجية أميركية طويلة الأمد تهدف إلى إفراغ إيران من الشخصيات المتطرفة التي تسيطر على آلية صنع القرار في البلاد، واستبدالها بشخصيات أقل تطرفاً، وهو ما قد يساهم في تغيير السياسة الخارجية للبلاد مع مرور الوقت.

الصورة الذهنية لقوة إيران

على مدى السنوات القليلة الماضية، تعرضت إيران لعدد من الضربات الموجعة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، كان أبرزها اغتيال شخصيات علمية مثل العالم النووي فخري زاده داخل الأراضي الإيرانية، بالإضافة إلى اغتيال العديد من الشخصيات خارج إيران، وأخيرًا اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران، بالإضافة إلى قصف القنصلية الإيرانية في دمشق. كل هذا لم يدفع إيران إلى اختيار رد يكون بمثابة رادع للضربات التي تعرضت لها، بل كانت ردود أفعالها مدروسة للغاية، أبعدتها عن المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

الرد الإيراني المحدود على الضربات الإسرائيلية والأميركية له تفسيران: الأول أن إيران تدرك عجزها عن الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وحلفائها، وأن أي مواجهة ستدمر نظامها السياسي، لذلك ترى أن تجنب المواجهة قرار عقلاني لحماية النظام السياسي الذي يقوده خامنئي. والثاني أن القدرات العسكرية التكنولوجية الإيرانية ضعيفة، مما يجعلها محدودة التأثير في أي مواجهة محتملة محدودة أو مفتوحة.

مستقبل النفوذ الإيراني في سوريا والشرق الأوسط

وفي ضوء ما ناقشناه، فإن تراجع القدرات العسكرية الإيرانية مقارنة بالتطور السريع الذي تشهده الصناعات العسكرية في العديد من الدول، ومع تراجع نفوذ الحرس الثوري مع مرور الوقت، بالإضافة إلى تراجع الصورة الذهنية عن قوة إيران وفعاليتها داخلياً وخارجياً، كل هذا سيؤدي بطبيعة الحال في المدى المتوسط ​​والبعيد إلى سقوط نفوذها ولو جزئياً في مناطق سيطرتها الإقليمية، وستصبح إيران في نظر حلفائها عاجزة عن حماية وحفظ أمنها الداخلي والإقليمي.

وفي سوريا تتضح ملامح ما ذكرناه بشكل واضح، فقد خسر الحرس الثوري الكثير من قادته في سوريا، وأصبحت قواته مشتتة وغير مستقرة خوفاً من الضربات الإسرائيلية، وهو ما قد يؤدي إلى تقليص نطاق نفوذه على المدى البعيد في سوريا، وقد يؤدي أيضاً إلى استغلال الروس لتراجع النفوذ الإيراني.

ومن المرجح أن النظام السوري قرأ تراجع النفوذ الإيراني، خاصة بعد أحداث طوفان الأقصى، لذلك فضل عدم الانخراط بأي شكل من الأشكال في المواجهات العسكرية المباشرة أو غير المباشرة بين إسرائيل وإيران وأدواتها.

إن زيارة بشار الأسد إلى موسكو في 25 يوليو/تموز 2024، والتي سبقت اغتيال إسماعيل هنية بأيام، يمكن تفسيرها باعتبارها أحد جوانب تقارب النظام مع روسيا على حساب تراجع النفوذ الإيراني. وقد اقترح العديد من الخبراء أن بوتن نصح بشار الأسد بعدم الانخراط مع إيران في مواجهات ضد إسرائيل في حال حدوث أي تصعيد مع إسرائيل ــ وهو أمر مستبعد. ويمكن تفسير أي التزام من جانب بشار الأسد بعدم الانخراط في الصراع على أنه تراجع للنفوذ الإيراني لصالح الروس.

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Open chat
Scan the code
مرحبا 👋
كيف يمكنا مساعدتك؟