اعتصام الكرامة للهيئة الوطنية ضد الائتلاف والجولاني!

قد يبدو هذا العنوان غامضاً أو غير واضح، لأنه يشير إلى ثلاث حركات سياسية شعبية تجري في شمال سورية، سواء تلك المنظمة في إدلب أو تلك الناشئة في ريف حلب، ولكل حركة أهدافها المختلفة وآليات عملها المختلفة. في الحقيقة، قصدت أن أجمع بينها بهذه الطريقة العشوائية.
أولاً، من الطبيعي والمنطقي والبديهي أن ندعم أي حراك شعبي في الشمال، لأن السلطات الفعلية المسيطرة على كل المفاصل لم تتمكن من تقديم نموذج حكم محلي يرضي ستة ملايين إنسان يقيمون في المنطقة الممتدة من شرق حلب إلى حدود محافظتي حماة واللاذقية.
الوضع الاقتصادي كارثي نتيجة عدة عوامل أبرزها انتشار الفساد وظهور طبقة جديدة من الأثرياء معظمهم من زعماء الفصائل وعائلاتهم أو واجهات تم إنشاؤها لإدارة الأموال التي يجنيها زعماء الفصائل من المعابر الرسمية وغير الرسمية وفرض الضرائب على الناس واحتكار استيراد وتصدير البضائع من وإلى المنطقة.
في المناطق التي يسيطر عليها الجولاني، بدأت منذ أشهر مظاهرات حاشدة وكبيرة، أرعبت الجولاني وكتلته الصلبة، فاستطاع بكثير من القوة وقليل من الدهاء السياسي أن يستوعب الحراك، ثم يتحايل عليه، ويقضي عليه بشكل شبه كامل.
الوضع الأمني كارثي أيضا، فلا يوجد قضاء أو جهاز أمن مركزي يحاسب الناس، واليوم يترك الأمر للضيافة وتقبيل الشوارب عند كل مشكلة تحدث، وهذا هو الحال منذ سنوات حتى اليوم.
وعلى صعيد الخدمات تعاني المنطقة من ضعف كبير في البنية التحتية وغياب المشاريع الكبرى التي من شأنها استيعاب آلاف الشباب الباحثين عن فرص عمل، أي أن كل عوامل التظاهر والاحتجاج متوفرة من أجل أن تكون هناك انتفاضة شعبية تصحح ما يمكن تصحيحه في الوضع الحالي.
في المناطق التي يسيطر عليها الجولاني، بدأت منذ أشهر مظاهرات حاشدة وضخمة، أرعبت الجولاني وكتلته الصلبة، وبقدر كبير من القوة والقليل من الدهاء السياسي، استطاع استيعاب الحراك، ثم الالتفاف عليه، وإنهائه بشكل شبه كامل. وفي ريف حلب الشمالي، نشأ مؤخراً حراك سياسي شعبي تحت مسمى “اعتصام الكرامة”، انطلق مطلع تموز/يوليو الماضي.
يقول منظمو اعتصام الكرامة أن لديهم مطالب عدة أبرزها: تشكيل هيئة عليا لقيادة الثورة تنبثق منها مجالس تتوافق مع متطلبات الثورة، مع العمل على إلغاء التحالف الوطني وكل الهيئات والمؤسسات التي انبثقت عنه من حكومة مؤقتة وهيئة التفاوض. وفي الآلية التي يريدون من خلالها تشكيل الهيئة العليا لقيادة الثورة قالوا إنها من خلال انتخابات حرة ونزيهة. وعندما ننظر إلى مطالب منظمي اعتصام الكرامة التي نشرت في عدة بيانات لهم نجد أنهم يريدون حرفيا إقامة الدولة، لأنهم يدمرون كل المؤسسات القائمة ويريدون البدء من الصفر، حتى أنهم تبنوا النشيد الوطني وأرسلوا رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة يطالبونه فيها بالتوقف عن التعامل مع التحالف وهيئة التفاوض والتعامل فقط مع الهيئة العليا التي سيتم انتخابها!
إن ضجيج الشعارات الرنانة والمصطلحات الثورية التي يكثر استخدامها من قبل منظمي اعتصام الكرامة يخفي الكثير من العيوب والاعتراضات على هذه الحركة، ومن بين هذه الاعتراضات أنهم دخلوا في معارك صفرية مع كيانات قائمة وهم ما زالوا في مرحلة التكوين ويقفون على أرض هشة، فالشعارات الجميلة والمطالب المشروعة لا تنتج جسما سياسيا بمفردها، لأن العمل السياسي يحتاج إلى عدة مكونات أهمها معرفة حجم وقوة ونفوذ الكيان الناشئ قبل البدء في رفع سقف المطالب إلى حد احتكار التمثيل السياسي واحتكار السلطات التنفيذية الخدمية.
إن إجراء العملية الانتخابية ليس مستحيلا، بشرط أن يكون هناك إجماع من كل القوى، بما في ذلك العسكرية، على المشاركة ودعم هذه الانتخابات حتى تتم في ظروف مناسبة ويحترم الجميع نتائجها.
إذا اتفقنا على أن إجراء الانتخابات في الشمال ضروري ليختار الشعب من يمثله ويدافع عن حقوقه السياسية والخدمية، فهناك سؤال مهم لا بد من الإجابة عليه قبل الشروع في أي عملية انتخابية: هل الوضع الأمني في الشمال مهيأ قضائياً وأمنياً لإجراء انتخابات تنتج هيئة عليا أو ما شابه تحل محل المؤسسات الحالية؟ ولا أظن أن القائمين على اعتصام الكرامة يجهلون صعوبة هذا الأمر بسبب غياب الهيئات القضائية والرقابية، ناهيك عن الوضع الأمني غير المستقر والتفجيرات التي تحدث بين الحين والآخر، كمثال على عدم وجود بيئة آمنة. ولكن بشكل عام فإن إجراء العملية الانتخابية ليس مستحيلاً، بشرط أن يكون هناك إجماع من كل القوى، بما في ذلك المؤسسة العسكرية، على المشاركة ودعم هذه الانتخابات حتى تقام في ظروف مناسبة ويحترم الجميع نتائجها، وحتى لا يخرج العشرات من المعارضين والرافضين لهذه العملية في اليوم التالي ويصدرون البيان تلو البيان، ثم نعود إلى المربع الأول مرة أخرى! وما حدث قبل أسبوع هو مثال حي على ما ذكر أعلاه، بعد أن أعلنت عدة شخصيات تشكيل “الهيئة الوطنية للشمال السوري المحرر”، وقالت في بيانها إنها تدعو إلى مؤتمر شعبي تنبثق عنه هيئة وطنية تعيد هيكلة المؤسسات القائمة، ولم يصدر حتى الآن بيان توضيحي من أصحاب المبادرة يشرح الآلية التي سيتبعونها للوصول إلى هذا المؤتمر الشعبي ومن ثم تشكيل الهيئة التي ستدير وتمثل الشمال.
اليوم لدينا مبادرتان في مناطق سيطرة الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف، وقد نشهد في الأيام المقبلة ولادة كيان ثالث بنفس المطالب وبنفس الشعارات. ولكي تتضح الأمور وتنضج هذه المبادرات، لا يجب أن نتجاهل الترهل والتكلس الذي أصاب الائتلاف وحكومته المؤقتة. هناك شيء يجب على الائتلاف فعله وعدم البقاء متفرجاً، وهذا ما سأعود إليه في مقالي القادم.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر