خبراء: لا مؤشرات على ركود قريب بقطاع الشحن العالمي

خبراء: لا مؤشرات على ركود قريب بقطاع الشحن العالمي
80 بالمائة من التجارة الدولية يتم نقلها عن طريق البحر.
في ظل المخاوف المتزايدة بشأن الركود الاقتصادي العالمي، تشكل تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة ميرسك فينسنت كليرك رسالة أمل تتحدى التوقعات المتشائمة. فرغم الظروف الاقتصادية المعقدة والمخاوف من تباطؤ النمو، أكد كليرك أن قطاع الشحن لا يظهر أي علامات على ركود وشيك، وخاصة في الولايات المتحدة، حيث يظل الطلب على الشحن قوياً.
ويوضح كليرك أن المخزونات الأميركية ليست عند مستويات تشير إلى تباطؤ كبير في المستقبل القريب، بل على العكس، تظهر البيانات علامات على استمرار مستويات الاستهلاك القوية، وتعد هذه التصريحات مشجعة في ظل المخاوف المتزايدة بشأن تأثير الركود على التجارة العالمية، خاصة مع التقلبات التي يشهدها سوق العمل الأميركي، بحسب تقرير نشرته شبكة (سي إن بي سي) الأميركية.
ويشير التقرير إلى أن الصادرات الصينية تواصل دعم الطلب العالمي على الحاويات في وقت تشهد فيه الاقتصادات الكبرى تباطؤاً في النمو وارتفاعاً في التضخم، وهو ما يعكس قوة التجارة العالمية. ورغم أن ميرسك أعلنت عن انخفاض في الأرباح في الربع الثاني من هذا العام، فإن مرونة أحجام الحاويات والتوقعات باستمرار هذا الزخم تعكس استقراراً نسبياً في قطاع الشحن.
ولكن في ضوء هذه المؤشرات الإيجابية، يبقى السؤال: هل يستطيع قطاع الشحن أن يواصل تحدي توقعات الركود، أم أن هناك تغييرات قادمة يمكن أن تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي؟
وقال الدكتور عماد الدين المصبح الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بكليات الشرق العربي لموقع سكاي نيوز عربية: «إعلان شركة ميرسك العملاقة عن استمرار الطلب على الشحن البحري يشير إلى أن الاقتصاد العالمي قد يكون أكثر مرونة مما يخشاه الكثيرون، وهو ما يعطي سبباً للأمل في أن الركود الاقتصادي الذي يخشاه الكثيرون ربما لا يكون وشيكاً. لكن يجب أن نحرص على عدم المبالغة في التفاؤل، فهناك العديد من العوامل التي قد تؤثر على النمو الاقتصادي في المستقبل. ففي الأسبوع الماضي، تراجعت الأسواق المالية بمعدلات قياسية، ما يشير إلى احتمال الدخول في موجة ركود حاد».
هناك دائماً عوامل معقدة تدفع نحو القول باحتمالية الركود وبنفس القدر من القوة أن الاقتصاد العالمي من غير المرجح أن يشهد ركوداً، وتفاعل العوامل المختلفة، بالإضافة إلى العوامل الأمنية والاستراتيجية، هو الذي يحدد مدى احتمالية دعم اتجاه واحد. واستمرار قوة الطلب على الشحن البحري لا يعني بالضرورة عدم وجود مؤشرات على الركود، بحسب الدكتور المصبح، الذي أشار إلى أهمية الأخذ في الاعتبار عوامل أخرى مثل التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، والتي قد تؤثر سلباً على النمو الاقتصادي في الأمد البعيد.
وأشار أستاذ الاقتصاد في كليات الشرق العربي إلى أن بيانات الشحن هي مؤشر واحد من بين العديد من المؤشرات الاقتصادية، وقال: “الظروف الاقتصادية يمكن أن تتغير بسرعة، لذلك يجب تقييم الوضع باستمرار، علاوة على ذلك فإن الفهم الكامل للوضع الاقتصادي العالمي يتطلب تحليلًا معمقًا للعديد من العوامل، بما في ذلك السياسات الاقتصادية والتطورات الجيوسياسية”.
وأوضح الخبير الاقتصادي المصبح أن هناك عدة أسباب لاستمرار قوة الطلب على الشحن، وهي:
استقرار سلسلة التوريد: بعد الاضطرابات التي شهدتها سلاسل التوريد العالمية أثناء الوباء، يبدو أن الشركات تعمل جاهدة لاستعادة الاستقرار وتلبية الطلب المتزايد.
زيادة المخزونات: قد تتطلع الشركات إلى زيادة مخزوناتها تحسبًا لانقطاعات مستقبلية في سلسلة التوريد أو ارتفاع التكاليف.
مشاريع البنية التحتية: قد تستثمر الحكومات في جميع أنحاء العالم في مشاريع البنية التحتية، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على المواد الخام والسلع الأخرى.
التحول الرقمي: يتزايد الطلب على الأجهزة الإلكترونية والمنتجات الرقمية، مما يدعم التجارة العالمية.
وتلعب صادرات الصين دوراً حاسماً في الاقتصاد العالمي، ورغم التحديات التي يواجهها الاقتصاد الصيني، فإن النمو المستمر لصادراتها يشير إلى أن الطلب العالمي على المنتجات الصينية لا يزال قوياً، وهو ما يدعم الحجة القائلة بأن الاقتصاد العالمي قد يكون أكثر مرونة من المتوقع، بحسب الدكتور المصبح.
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي وعضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية هاشم عقل في حواره مع موقع “سكاي نيوز عربية اقتصاد” أن الشحن البحري الدولي يلعب دوراً محورياً في الاقتصاد العالمي، حيث أن أكثر من 80% من التجارة الدولية تنتقل عبر البحر، ومع التحديات الحالية فإن تأثير تعطيل طرق الشحن واضح في البحر الأحمر، وهو ما ينذر بعواقب كبيرة على المستوى العالمي.
وأشار إلى أن قطاع النقل البحري يواجه ضغوطاً متزايدة بسبب تزامن عدة أزمات، بدءاً من الهجمات في البحر الأحمر، مروراً بتجفيف قناة بنما، وانتهاءً بتداعيات جائحة كورونا التي لا تزال تلقي بظلالها على حركة التجارة. ورغم توافر بعض البدائل البحرية، إلا أنها تظل محفوفة بالمخاطر والتكاليف المرتفعة، كما هو الحال بالنسبة لطريق رأس الرجاء الصالح.
وقال إن تغيير مسارات الشحن خيار ضروري ولكنه مكلف، خاصة وأن حوالي ثلث شحنات الحاويات في العالم تمر عبر قناة السويس. وأضاف أن تغيير مسارات السفن حول أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح يضيف تكاليف إضافية، حيث تقدر تكاليف الوقود بنحو مليون دولار لكل رحلة بين آسيا وشمال أوروبا، وتزداد أوقات السفر بنحو 10 أيام، مما يزيد من تكاليف الشحن ويؤخر العمليات التجارية.
وقال إن هذه الأزمات تؤثر بشكل خاص على تدفقات التجارة الصينية، مشيرا إلى أن مضيق باب المندب يشكل نقطة حيوية تربط آسيا بأوروبا وأميركا الشمالية، حيث يمر عبر هذا المضيق نحو 12% من النفط المنقول بحرا و8% من الغاز الطبيعي المسال، فضلا عن نسبة كبيرة من حركة الحاويات.
وأضاف أن “مضيق باب المندب يشهد تدفقات سنوية بقيمة 120 مليار دولار من الواردات الصينية و160 مليار دولار من الصادرات الصينية، من إجمالي التجارة البحرية للصين البالغة 1.5 تريليون دولار”. “في حين أن هذا يمثل جزءًا صغيرًا من إجمالي تجارة الصين، فإن تعطيل الطريق يزيد من الضغوط الاقتصادية على الصين، التي تعاني بالفعل من تداعيات التوترات التجارية مع الولايات المتحدة”.
وبشكل عام، يختلف عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية مع الرأي القائل بأن الطلب على الشحن قوي، قائلاً: “هناك تراجع في حجم حركة الشحن العالمية نتيجة تراجع الإنتاج الصناعي الصيني وأيضاً تراجع واردات الصين من المواد الخام التي تستوردها للصناعات، وضعف الاقتصاد العالمي بشكل عام، بالإضافة إلى ارتفاع سعر الفائدة الذي أثر على المزيد من الاستثمار في بناء السفن الجديدة، ولعل العامل الأهم هو المخاطر الجيوسياسية”.
وبالعودة إلى تقرير الشبكة الأميركية، فقد ذكر أن شركة ميرسك أعلنت الأربعاء عن انخفاض في الأرباح الأساسية السنوية إلى 623 مليون دولار من 1.346 مليار دولار في الربع الثاني من العام الجاري، وانخفاض في الإيرادات إلى 12.77 مليار دولار من 12.99 مليار دولار، لكن كليرك قال إن “الشركة لا ترى علامات ركود في الولايات المتحدة، حيث يظل الطلب على الشحن قويا، مضيفا أن سوق حاويات الشحن أظهرت مرونة مذهلة في مواجهة مخاوف الركود في العامين الماضيين”.
وأوضح أن المخزونات الأميركية أعلى من مستوياتها في بداية العام، لكنها لا تشير إلى تباطؤ كبير، مشيرا إلى أن طلبات الشراء من تجار التجزئة والعلامات التجارية الاستهلاكية تظل قوية.
ارتفعت مخزونات التجزئة في الولايات المتحدة بنسبة 5.33 بالمئة في مايو أيار مقارنة بالعام الماضي، وفقا لمكتب الإحصاء الأمريكي، وقالت منصة التأجير كونتينر إكس تشينج إن البيانات تشير إلى أن المخزونات أعلى من الطلب، مما يعني وقتا أقل ازدهارا لتجار الحاويات وسوق الخدمات اللوجستية وتجار التجزئة.
ورغم أن كليرك أشار إلى أن ميرسك تتوقع أن تظل أحجام الحاويات مرنة في الأرباح المقبلة، مدفوعة بالصادرات الصينية، إلا أنه أكد أن الشركة تتوقع أن يظل البحر الأحمر غير مستقر حتى نهاية العام على الأقل، وهو ما سيؤدي إلى زيادة تكاليف الشحن بما يتراوح بين 20% و30%.
وأضاف أن “الشركة فوجئت بمرونة أحجام الحاويات على مدى السنوات القليلة الماضية وتتوقع أن يستمر هذا في الأرباح المقبلة مع عدم وجود أي إشارة إلى أن الاقتصاد العالمي يتجه نحو الركود”. “كانت الصادرات الصينية هي المحرك وراء أحجام الحاويات القوية حيث زادت الحصة العالمية من الحاويات القادمة من الصين أو المتجهة إليها”.
وأشار التقرير إلى أن الشركة الدنماركية لديها توقعات أكثر تشاؤما بشكل كبير في عام 2022، محذرة من انخفاض الطلب بسبب التضخم، وتهديد الركود العالمي، وأزمة الطاقة الأوروبية والحرب في أوكرانيا، حيث أدى مزيج من هذه العوامل إلى انخفاض أسعار الشحن في عام 2023، مما أدى إلى انخفاض أرباح ميرسك.
وقد انعكس هذا الاتجاه جزئيا هذا العام وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية في البحر الأحمر، والتي دفعت شركات الشحن إلى تحويل طرق التجارة حول الساحل الجنوبي لأفريقيا – مما أدى إلى إطالة أوقات الرحلات واستنزاف الطاقة من النظام العالمي. ويتوقع كليرك أن تستمر تحويلات البحر الأحمر حتى نهاية العام على الأقل. “في الأمد القريب، يعني هذا ارتفاع التكاليف، وكان علينا أن نتحمل تكلفة كبيرة نتيجة لذلك، سواء من حيث الحاجة إلى المزيد من السفن أو الحاجة إلى المزيد من الحاويات للقيام بالمهمة المتوقعة منا”.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : alwatannews